استقطاب المبدعين .. رواد للابتكارات الوطنية

استقطاب المبدعين هو عملية جذب لأولئك الأشخاص الذين يتمتعون بمواهب وقدرات استثنائية في مجالات معينة، وهي تعد عملية استراتيجية عالمية وتاريخية يستخدمها كل من يسعى إلى التقدم والرقي بعيدا عن التمييز الطبقي أو العنصري، وعلى جميع الأصعدة وفي مختلف المجالات، حيث يكمن الهدف من خلالها تحقيق النمو السريع والتقدم والازدهار الاقتصادي والثقافي والاجتماعي والدفاعي والأمني وغير ذلك بشكل كبير ليس محليا فقط وإنما عالميا كذلك، فالدول تتطور وترتقي بالعلم المتمثل في البحث والتطوير والابتكار الذي يقوده أولئك المبدعون المميزون، وإذ تؤدي عملية استقطابهم دورا مهما في تعزيز الابتكار وتحسين الأداء وتطوير المنتجات والخدمات، الذي ينعكس بدوره على البنية الاقتصادية بشكل عام.

الكل يعلم أن رأس المال البشري يعد أحد أهم المصادر في مجال تحقيق التنافسية والتميز، ولتحقيق النجاح في استقطاب المبدعين المميزين من هذا المصدر، يجب أن تكون لدى جهة الاستقطاب رؤية وأهداف واضحة من خلالها يكون هناك جذب للأشخاص الذين يشتركون معها في الرؤية والأهداف نفسها، ولا بد من تقديم مزايا جذابة لهذه الفئة بشكل خاص، تتضمن مزايا وحوافز مالية تنافسية إضافة إلى وجود فرص للتدريب والتطوير والترقية والتفكير الإبداعي، وتوفير بيئة عمل ملهمة وداعمة ومحفزة لتطوير الأفكار، ذات طابع يعكس ثقافتها التنظيمية والإيجابية مع قيادتها الفعالة، وأن تتضمن هذه البيئة طرق التواصل المفتوح والتعاون الجماعي، والاحترام والتقدير المتبادل لجميع الآراء على اختلاف تنوعها.

هناك كثير من الدول نجحت في استقطاب المواهب المبدعة والمتميزة وجذبها إلى العمل والاستثمار فيها، وتشير التقارير الدولية إلى تزايد التنافسية بينها على استقطاب الكفاءات البشرية والمواهب والعمال المهرة، حيث تبين الأرقام ما نسبته أكثر من 70 % من المهاجرين ذوي المهارات العالية في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا، فمثلا الولايات المتحدة الأمريكية، تعد وجهة مفضلة لكثير من المواهب المبدعة من مختلف أنحاء العالم، حيث تضم مراكز تكنولوجيا مثل وادي السيليكون وغيرها، وتقدم فرص عمل واسعة وبيئة ريادية ملهمة، وتتمتع كندا أيضا بسياسات هجرة مرنة ومبتكرة يعرفها الكثير، وتوفر بيئة عمل متنوعة ومتعددة الثقافات تجذب المواهب المبدعة من مختلف القطاعات، وتعد أستراليا واحدة من الوجهات المفضلة لعديد من المبدعين ووذوي المواهب العالمية، حيث توفر فرص عمل متنوعة في مجالات التكنولوجيا والعلوم والصناعات الإبداعية، وفي تقارير سابقة، صنف المعهد الدولي للتطوير الإداري تسع دول أوروبية بوصفها أفضل عشر دول في مجال استقطاب المواهب، وتعد ألمانيا إحدى الدول التي تجذب الكثير من المواهب المبدعة والمتميزة بفضل البيئة الاقتصادية القوية والتعليم المتميز وكونها مركزا للابتكار والتكنولوجيا في أوروبا، وتعد سنغافورة كذلك واحدة من أفضل الوجهات للعمل والاستثمار في آسيا، حيث تقدم بنية تحتية متطورة وسياسات حكومية مشجعة للابتكار وريادة الأعمال، وهناك عديد من الدول الأخرى التي تتميز ببيئات عمل ملهمة وتستقطب المواهب العالمية بأساليب وطرق مختلفة.

وفي السعودية تشكل رؤية 2030 ركيزة أساسية لجذب المبدعين والمواهب العالمية، حيث تهدف إلى تنويع الاقتصاد السعودي وتعزيز التنوع والابتكار في القطاعات المختلفة، حيث يعمل على جذب هذه الكفاءات والمواهب، من خلال تطوير برامج تأشيرات مبتكرة خاصة مثل تأشيرة الموهبة والتأشيرة الذهبية وغيرها، وأرى أن استقطاب العلماء الباحثين المبدعين في مجالاتهم المختلفة وإقرار برامج استدامة في توظيف هذه المواهب والاحتفاظ بها سواء كانت محلية أو خارجية سيجعل منهم روادا للابتكارات الوطنية التي ننافس بها عالميا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي