فقر الطاقة.. عقبة أمام العالم
يكثر الحديث عن مفهوم فقر الطاقة، خصوصًا مع انعقاد مؤتمرات الأمم المتحدة التي تهتم بالتنمية المستدامة والتغير المناخي وغيرهما. وتميل البلدان التي ليس لديها مرافق منظومات كهربائية مستقرة أو شبكات طرق حديثة إلى استخدام طاقة أقل مقارنة بالدول التي هي في طور بناء تلك المرافق، ولكن تطلق الدول المتقدمة الغنية، خاصة الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية، نصيب الأسد من الغازات الدفيئة المسببة للتغير المناخي. وفي الواقع، فإن هناك 23 دولة "متقدمة" مسؤولة عن نصف إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، بل تؤكد بعض الدراسات أنها تقارب 80 في المائة. وتتجلى العلاقة بين الطاقة والفقر في حقيقة أن الفقراء في الدول النامية يشكلون الجزء الأكبر بما يقدر بنحو 2.7 مليار شخص الذين يعتمدون على طاقة الكتلة الحيوية التقليدية لأغراض الطهي، ولذلك يموت الملايين من تلوُّث الهواء الداخلي كل عام، بينما الأغلبية الساحقة من 1.4 مليار شخص لا يملكون الربط بشبكة الكهرباء. ويدعو الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة إلى القضاء على الفقر بجميع مظاهره بحلول 2030، ويهدف إلى ضمان الحماية الاجتماعية للفقراء وزيادة إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية ودعم الأشخاص المتضررين من الأحداث المرتبطة بالمناخ وغيرها من الأحداث الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصدمات والكوارث البيئية.
إن عدم إمكانية الوصول إلى مصادر الطاقة الحديثة يُعرِّض الناس لحياة الفقر، وإن عدم وجود كهرباء يعني عدم وجود تكييف للمكان أو حفظ للطعام أو تنظيف للملابس أو إنارة في الليل. وعادة ما يتم تعريف فقر الطاقة إما بعدم الحصول على الكهرباء أو اعتماد احتياجات الطاقة المنزلية على حرق الكتلة الحيوية الصلبة باستخدام طرق بدائية وملوثة. ويسهم ارتفاع أسعار الطاقة وعدم كفاية العزل أو سوء كفاءة الطاقة في المنازل وانخفاض الدخل في زيادة التعرض لفقر الوقود، إضافة إلى زيادة الطلب على الوقود لتبريد أو تدفئة المنزل. ويحسب فقر الطاقة أو الوقود حسب ما جاء في الأدبيات في الدول الباردة بأنه الاضطرار إلى إنفاق أكثر من 10 في المائة من الدخل على جميع أنواع الطاقة أو الوقود المنزلي المستخدم للحفاظ على نظام تدفئة مُرض، ما يعني أن الإنفاق على جميع أنواع الوقود المنزلي الذي يتجاوز 20 في المائة من الدخل يدل على أن الأسر تعاني فعلا فقرا حادا في الطاقة.
وتعد الحجج المؤيدة لتحول الطاقة العادل جزءًا من المناقشات حول التغير المناخي والدافع لإنشاء اقتصاد محايد للكربون، ويوجد حاليًا نهجان واسعان في الأخلاق والعدالة لتأطير التحولات العادلة في الطاقة. يوصف النهج الأول بأنه رقابة داخلية في عملية تحول الطاقة مع توقع وتقييم ومعالجة الأضرار الناجمة عن العملية الانتقالية نفسها. بينما ينص النهج الثاني على الاهتمام بالتأثيرات القريبة لعملية تحول الطاقة مع التركيز على النتائج الاجتماعية والاقتصادية البعيدة التي يجلبها التحول ومقارنتها بالظروف التي تسبق التحول. ويحق لنا أن نطرح السؤال التالي: هل تعمل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتقنيات التي تحدثها أنظمة تحول الطاقة على إيجاد مجتمعات واقتصادات أكثر عدلا، أم أنها تعمل بدلا من ذلك على تعزيز أو إعادة عدم المساواة؟ ومن هنا يتم تقييم فقر الطاقة وعكس علاقتها مع تكوينات أنظمة الطاقة والظروف الاجتماعية، التي قد توجد ردود فعل معقدة بين انعدام أمن الطاقة وانعدام الأمن الاقتصادي، وبالتالي قد تعمل على تعزيز الفقر أو تفاقمه بمرور الوقت. إن التحولات العادلة في مجال الطاقة يجب أن تعمل على تفكيك هذه التكوينات وإعادة تصميمها بحيث تصنع ردود فعل سليمة، وعليه إنهاء العلاقة مع فقر الطاقة وإيجاد نتائج طويلة الأجل أكثر عدلاً وإنصافًا.