المعرفة المالية .. لتكن شرطا للتخرج

أعلنت وزارة التعليم العام الماضي البدء بتطبيق مقرر "المعرفة المالية" ضمن مناهج العام الأول لمرحلة الثانوية العامة، وذلك عبر مواءمة نسخة إنجليزية من كتاب مختص بهذا الموضوع وتوفيره للطلاب والطالبات عبر منصة "مدرستي"، وهذه خطوة أولية جيدة تحتاج إلى مزيد من الدعم والتطوير، وبالنظر إلى التجربة الأمريكية ربما من المناسب جعل مادة المعرفة المالية إلزامية وشرط من شروط الحصول على شهادة الثانوية العامة. 
ازداد هذا العام في الولايات المتحدة زخم المدارس الثانوية التي تشترط اجتياز مادة الثقافة المالية للحصول على شهادة الثانوية العامة، حيث جاءت ولاية بنسلفانيا الولاية رقم 25 التي تصدر تشريعات ملزمة بذلك، لتلحق بثمان ولايات أخرى أصدرت تشريعاتها في 2023. 
وتشير الاستفتاءات إلى وجود قبول واسع لهذا التوجه حيث يرى معظم الأمريكيين أن يكون هناك مادة على مدى فصل واحد أو عام كامل لتدريس المادة المالية، التي تشتمل على مواضيع مالية متعلقة بإعداد الميزانية الشخصية وأساليب السيطرة على الديون وطرق الادخار والتعامل مع البنوك، وتساعد الطالب على إدراك معنى المجازفة المالية وحساب النسب المالية ونمو رأس المال وغير ذلك من مواضيع عادة لا يتعلمها الطلاب إلا لاحقا في حياتهم العملية، إن حصل بالفعل أن يتعلموها.
إحدى الدراسات المختصة بتأثير المعرفة المالية في حياة الطلاب بعد التخرج أشارت إلى أن ذلك يؤدي إلى تحسن درجة التقييم الائتماني للطلاب، ما يعني أنهم يستفيدون من تعلم مهارات الحفاظ على نظافة سجلاتهم الائتمانية، ويساعدهم ذلك على الحد من حالات التعثر عن السداد والابتعاد عن عمليات الاقتراض عالية المخاطر التي تتم في الأغلب خارج الأنظمة المصرفية. في الدراسات الأمريكية تبين أن هناك فروقات في مستوى المعرفة المالية والأوضاع المالية بين السكان حسب التقسيمات العرقية، حيث يشير نحو ثلث الأمريكيين البالغين أنهن يعانون قروضا عالية جدا، وتزداد هذه النسبة لدى السود واللاتينيين الذين بالمجمل يميلون أكثر من غيرهم من الأعراق إلى عدم توافر أرصدة نقدية لديهم تكفي لتغطية نفقات ثلاثة أشهر على الأقل في حال التوقف عن العمل أو لأي ظروف أخرى طارئة.
التوجه في الولايات المتحدة ودول أخرى هو أن تكون مادة المعرفة المالية إلزامية وليست مجرد مادة اختيارية تقدم من باب الثقافة العامة، والأسباب أن الأمور المالية والتعامل مع المال في حياة الناس أصبحت من الأمور الضرورية وليست اختيارية، وتزداد أهمية ذلك مع تطور التقنية وأدوات التعامل بالمال وطرق الدفع وكثرة أساليب التسويق والترويج للفرص الاستثمارية والتعاملات المالية. 
وعلى الرغم من أن أساسيات المعرفة المالية واحدة، كإعداد الميزانية والتحكم في الصرف وطرق الادخار وبعض العمليات المحاسبية والمالية، إلا أنه يمكن لبعض الدول التركيز على جوانب معينة أكثر من غيرها نتيجة الطبيعة الاقتصادية والمالية لكل دولة. ربما في المملكة، إلى جانب المفاهيم العامة والأساسيات المالية، يأتي التركيز على جوانب تتعلق بشراء السيارات والأراضي والمنازل واستئجارها، ومعرفة الفروقات العامة بين الشراء والاستئجار من حيث التكاليف الأولية، وما يعرف بالتكلفة الكلية للامتلاك، وإدراك معنى الفرصة البديلة وطريقة حسابها، إلى جانب القدرة على التعامل مع الأساليب التسويقية لكافة المنتجات وإدراك جوانبها المالية، مثل التعامل مع برامج شراء منتجات اقتسام الوقت كالغرف الفندقية والشقق السكنية، وغيرها. 
وبحكم كثرة خدمات التقنية المالية الحديثة وتنوعها، يجب أن تغطي مادة المعرفة المالية أساليب التمويل الجماعي وما تحتويه من فرص ومخاطر، وكذلك التعامل بالأسهم والسندات والصكوك وطرق الإقراض والاقتراض الحديثة، وآلية حساب معدل النسبة السنوي، الذي تم إقراراه أخيرا من قبل البنك المركزي السعودي كطريقة جديدة لعرض نسب التمويل والاقتراض في البنوك السعودية.
المعرفة المالية ليست مادة اختيارية لطلبة الثانوية العامة، بل إنها أصبحت مادة أساسية لا غنى عنها، ويجب أن تدرس لجميع المسارات الدراسية في مرحلة الثانوية، علمية كانت أو أدبية أو شرعية، حيث من الواضح أن هناك توجه عالمي نحو إقرار مثل هذه المادة، علاوة على أن ذلك يتماشى مع رؤية المملكة 2030، وبالذات ما يخص الجانب التعليمي والثقافي لبرنامج تطوير القطاع المالي.            

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي