Author

تنوع الخدمات المالية والخيارات بين الاستهلاك والاستثمار

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية

تشهد الفترة الحالية ثورة في قطاع التقنية المالية التي تضمنت مجموعة من الخدمات التي توفر فرصا للتمويل، وفي الوقت نفسه توفر أيضا فرصا للادخار والاستثمار، حيث كان صعبا على الفرد في المملكة الدخول والاستثمار في الأسواق بالصورة التي نشهدها الآن التي جعلت رأس مال بسيط يمكن أن يدخل مجموعة كبيرة من الأسواق وأنواعا متعددة من الشركات وتنوعا في الفرص الاستثمارية، كما أن بعض الشركات أصبحت تقدم خيارات للاستثمار تتضمن تقديم خدمات التمويل لمجموعة من الشركات الناشئة والمتوسطة بعائد جيد وبعضها توفر فرصا للمشاركة في بعض الجولات الاستثمارية لبعض الشركات بما يمكنها من التوسع في أعمالها الذي قد يكون في مرحلة من المراحل يمكن للشركة أن تكون ضمن فريق الشركات التي تتداول في سوق الأسهم في المملكة، وهذا بلا شك عزز الفرص الاستثمارية المتنوعة في السوق في المملكة.
في المقابل توجد خدمات مالية أخرى تتوسع بصورة هائلة، وذلك بغرض التمويل الاستهلاكي من خلال برامج متعددة، وهو تمويل إضافي يمكن أن يقدم لبعض الأفراد الذي وصل إلى الحد الأقصى من نسبة التمويل الذي تقدمه له البنوك، كما يضاف لذلك البطاقات الائتمانية بمختلف تصنيفاتها، إضافة إلى الشركات التي تقدم التمويل من خلال خدمة "اشتر الآن وادفع لاحقا" التي أصبحت تستحوذ على نسبة كبيرة من المشتريات في الأسواق، وذلك في قطاع التجزئة والخدمات خاصة الذي أصبح منافسا للبطاقات الائتمانية خصوصا مع تخفيف شروط الاستفادة من خدماتها مقارنة بطرق التمويل الأخرى وتوافر وسيلة الدفع الخاصة بها في مختلف المتاجر.
توسع مثل هذه الشركات في خدماتها كان له دور كبير في حل أزمة للبعض بتوفير بعض الاحتياجات التي يصعب الحصول عليها دفعة واحدة مثل شراء جهاز كمبيوتر شخصي بغرض الدراسة والعمل، أو شراء بعض الأثاث الذي يحتاج إليه خصوصا مع الارتفاع في أسعار بعض السلع التي تتطلب الادخار فترة من الزمن ليتمكن البعض من شرائها، كما أنها تمكن البعض من شراء سلع أجود فيما لو كانت تكلفتها وغلاء سعرها قد يكون له قيمة مضافة بمدة أطول للاستخدام.
لكن نجد أن كثيرين يجدون في استخدام هذه الخدمات وسيلة لزيادة وتيرة الاستهلاك لديه والاستمرار في شراء السلع الاستهلاكية التي ستؤدي إلى عبء مالي عليه في مستقبل حياته وتزيد حجم ما يخصص من دخله بغرض سداد هذه المديونية سواء جاءت في شكل تمويل شخصي أو الشراء من خلال البطاقات الائتمانية أو خدمة "اشتر الآن وادفع لاحقا". وإذا ما اجتمعت هذه الخدمات لدى شخص واحد، فمن الصعوبة بمكان أن يتبقى له من دخله شيء، بل قد تتراكم هذه المديونيات بما يؤدي إلى أزمة ائتمانية يصعب الخروج منها، وقد يؤثر في سجله الائتماني ويصعب معه أن يكون لديه برنامج ادخاري لشراء احتياجات أساسية مستقبلا مثل المنزل أو احتياجات أخرى ترتبط باحتياجاته الأساسية مثل المواصلات والتعليم والعلاج وغيرها.
التوسع في الاستفادة من خدمات التمويل بغرض الاستهلاك قد يكون خطرا على البعض خصوصا في ظل التسويق للاستهلاك بصورة كبيرة ومتنوعة في وسائل التواصل الاجتماعي، وهنا تأتي أهمية الوعي المجتمعي وإدارة عملية الاستفادة من الخدمات التمويلية دون إسراف مع أهمية الاستفادة بصورة أكبر من الخدمات الاستثمارية خصوصا بعد التوسع الكبير فيها في المملكة وتنوع الخيارات التي تقدمها شركات التقنية المالية التي لا تتطلب مجهودا كبيرا، بل فقط تحميل بعض التطبيقات ووضع مبلغ يسير للاستثمار خصوصا أنها تستثمر بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي لاختيار خيار الاستثمار المناسب بحسب الأهداف الاستثمارية التي يتطلع لها الفرد مع تكلفة تعد منخفضة نسبيا بوصف أن هذا النوع من الاستثمارات تعتمد الوسائل الآلية التي لا تتطلب مجهودا في دراسة السوق مقارنة بالصناديق الاستثمارية التي تديرها بعض المؤسسات المالية التي تتطلب فريقا ماليا احترافيا لتحديد الاختيارات الاستثمارية ولا شك أن هذا قد يترتب عليه تكلفة تتناسب مع حجم وتكلفة هذا الفريق.
الخلاصة، إن التوسع في الخدمات التمويلية بغرض الاستهلاك قد يكون له أثر سلبي على البعض، ولذلك من المهم أن يكون لدى المستفيد الوعي الكافي بهذه الأخطار بما يؤدي إلى عدم التوسع في هذه الوسائل بأكثر من قدرته المالية، وفي المقابل من المهم أن يكون لدى الفرد معرفة واسعة بالخيارات الاستثمارية المتوافرة في المملكة التي تشهد نموا وتوسعا كبيرا من خلال وسائل ميسرة.

إنشرها