التضخم يسقط الحكومات الفاسدة «1 من 2»
يعمل ارتفاع التضخم على مستوى العالم في الآونة الأخيرة على فرض التغيير السياسي، على نحو يذكرنا بمدى فاعلية هذه المشكلة الاقتصادية القديمة في الإطاحة بالحكومات. في الأنظمة الديمقراطية، تتوقف نتائج الانتخابات في الأغلب على تطورات الأسعار، لكن التأثير في أنظمة ما يسمى الأنظمة الاستبدادية لا يقل وضوحا، لأن التضخم يتسبب في تآكل الميثاق الاجتماعي الضمني الذي تقيم عليه هذه الأنظمة سلطتها.
في الأرجنتين، نستطيع أن نفهم انتخاب الرأسمالي الفوضوي الراديكالي المدعي خافيير مايلي رئيسا للبلاد، على أنه نتيجة مباشرة لعجز النظام البيروني الحاكم عن التعامل مع التضخم، الذي بلغ معدله السنوي 143 في المائة. كان أكثر وعود مايلي الانتخابية أهمية استعادة استقرار الأسعار من خلال إلغاء البنك المركزي والاستعاضة عن البيزو الأرجنتيني بالدولار الأمريكي.
من الواضح أن إنهاء الاستقلال النقدي تجربة جريئة ومحفوفة بالمخاطر، ومن شأنها أن تحد بشدة من قدرة الحكومة على التصرف. لكن هذا هو المقصود على وجه التحديد. فمنذ حاولت الحكومة السابقة بذل قصارى جهدها، وفشلت بوضوح، يشعر الناخبون الآن وكأن أي شيء سيكون أفضل من مزيد من سوء الإدارة.
للوهلة الأولى، تبدو روسيا مستقرة بدرجة مدهشة بالمقارنة. فقد ارتفع معدل التضخم السنوي هناك أخيرا من 6 إلى 7 في المائة، في حين لامس التضخم حتى في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو خانة العشرات لفترة وجيزة العام الماضي. لكن الولايات المتحدة، ومنطقة اليورو، والمملكة المتحدة نجحت جميعها في خفض معدل التضخم إلى ما دون 5 في المائة، في حين تتحرك روسيا في الاتجاه المعاكس.
علاوة على ذلك، ارتفع التضخم الروسي أيضا في 2022، في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية ـ تماما كما حدث بعد الاستيلاء الأولي على الأراضي في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا. ثم بدءا من أبريل 2022، انخفض معدل التضخم لمدة عام كامل، وبدا الأمر وكأنه قد يستقر عند مستوى لائق بنسبة 2.5 في المائة. ولكن تبين أن هذا الاستقرار كان محض أوهام. فقد عاد التضخم هذا الصيف، في أعقاب الانقلاب الفاشل الذي قاده يفجيني بريغوجين زعيم مجموعة فاجنر، وهو الآن يمثل الخطر المباشر الأعظم الذي يهدد نظام زمن الحرب الذي تفرضه حكومة موسكو.
الواقع أن حكومة موسكو صريحة بشأن مصدر الارتياع هذا، حتى الحكومة تتجنب في عموم الأمر الاعتراف بنقاط الضعف، علقت أخيرا على التضخم والتهديد الذي تفرضه على الأسر الروسية. ورفع البنك المركزي الروسي، كما ينبغي له، سعر الفائدة إلى 15 في المائة ـ أي ما يقرب من ثلاثة أمثال سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية في الولايات المتحدة.
كما تعلم روسيا تمام العلم، أن السخط بشأن الأسعار في الأغلب ما يكون أول علامة تدل على خسارة أي نظام للدعم الاجتماعي. رغم أن المواطنين العاديين لا يمكنهم الشكوى علنا من الحكومة خشية العقاب بقسوة، فإنهم يستطيعون التذمر بشأن الأسعار، خاصة عندما يكون التضخم نتيجة مباشرة لزيادة الإنفاق الحكومي على الحرب. ولا تنشأ المشكلة بسبب ارتفاع النفقات العسكرية فحسب، بل أيضا لأن الكرملين حاول شراء الدعم الشعبي. فالجنود، على سبيل المثال، يتقاضون الآن ما يزيد على ضعفي ونصف الراتب المتوسط، وتعوض أسرهم بسخاء -حيث تتلقى الأسرة خمسة ملايين روبل "57 ألف دولار أمريكي"- إذا قتل أحد أفرادها على الجبهة... يتبع.
خاص بـ «الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت، 2023.