Author

مجالس الحكمة واختيار الموضوعات

|

من نعم الله على مجتمعنا ذلك الترابط الاجتماعي الذي يجعلنا نلتقي بشكل دوري منتظم أو بين الحين والآخر، وكانت هذه اللقاءات في الماضي لتمضية الوقت كيفما اتفق، لكنني ألحظ أخيرا أن بعضها أخذ صفة مجالس الحكمة التي يستفيد من يحضرها، خاصة إذا تم اختيار بعض الحكماء من ذوي التخصص والاطلاع في شتى الفنون سواء العلمية أو الثقافية أو الاقتصادية أو الطبية أو من ذوي التجارب والخبرة في الحياة بجميع مناحيها، وطرح موضوعات محددة من واقع حياتنا لمناقشتها مع إدارة الحوار بشكل مهني يتيح للجميع المشاركة بآرائهم. ومع أنني لست من المنتظمين في حضور هذه المجالس، فقد حضرت في الأسبوع الماضي مجلسين، وجدت أن ما طرح فيهما يستحق نشره بصورة أوسع، لذا جعلت هذا موضوع مقالي اليوم.
ففي المجلس الأول، طلبت آراء الحاضرين حول كيفية ترسيخ قيم الوفاء والتواضع في المجتمع ليسير عليها الجيل الجديد كما كان الآباء والأجداد. وكان في مقدمة الحاضرين الشيخ الدكتور صالح بن حميد، المعروف بالوفاء والتواضع. وبعد سماع تعليقات بعض الحاضرين. أردت أن يكون الرأي الأخير للشيخ صالح، فوجهت السؤال له شخصيا، وقد أجاب بأن أهم وسيلة لترسيخ هذه القيم أن يكون الأب أو الأخ الأكبر إذا كان ممن يحملون هذه القيم قدوة لجميع أفراد الأسرة، وأن يكون هو متواضعا في نفسه منكرا لذاته، لا يتكلف في المطالب، ولا يظهر فيه التعالي وانتقاص الآخرين وازدراؤهم والحط من أقدارهم، خاصة أمام أولاده وأفراد أسرته ومن حوله، كما ينبغي أن يتحدث معهم دائما حول فضل هذه القيم وأثرها في حياتهم وسلوكهم وتعاملهم مع الآخرين. ثم يلحظ مدى قبولهم هذا التوجيه الأبوي عن طريق القدوة، وليس الأمر والنهي والشدة في ذلك. ما أجمله من حديث تربوي موجه للجميع من آباء وأمهات ومدرسين ومدرسات. وفي المجلس الثاني، وكان ضمن الحاضرين علماء ومثقفون وشباب، وتولى الزميل العزيز حمد القاضي، طرح الموضوعات، وهو من الداعين إلى تنظيم وتوحيد الحديث في مجالس الحكمة ليحصل الجميع على الفائدة. وفعلا كان الموضوع الأول عن اللغة العربية، وكيفية الحفاظ عليها، وزرع الشغف بها، في نفوس الأجيال الجديدة.
وأكد الجميع أهمية اللغة العربية، وأن تكون هي اللغة الأولى في حياتنا، ولا بأس من وجود اللغات الأخرى لتكون لغة مساعدة ومترجمة في المؤتمرات وفي أسماء المحال التجارية والفنادق وغيرها. والمؤمل من الدكتور عبدالله الوشمي، أمين مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، أن يوضح ما لدى المجمع من خطط للإبقاء على أهمية اللغة العربية، خاصة بالنسبة للأجيال الجديدة. أما الموضوع الثاني، فكان حول الكتاب الورقي، وهل سيلقى مصير الصحف الورقية نفسه؟ وجاءت الإجابات المطمئنة بعدم حدوث ذلك من معظم الحاضرين، خاصة من الدكتور زياد الدريس، والدكتور محمد المشوح، اللذين أكدا أن الكتاب الورقي بخير، والدليل الإقبال والمبيعات في معرض الرياض للكتاب الأخير.
ولا وجه للمقارنة بين الكتاب والصحيفة الورقية، فالكتاب مادة مختلفة تعتمد على الإبداع والفكر، بينما الجريدة مادتها إخبارية يمكن الحصول عليها بشكل أسرع من وسائل النشر الأخرى.
أخيرا، بقيت لدي ملاحظة واحدة، وهي أن مجالس الحكمة التي نأمل استمرارها وتنوعها تحتاج إلى العناية بالشباب وجميع الحضور بإتاحة الفرصة لهم للحديث وإبداء الرأي حول الموضوعات عامة، وبشكل خاص ما يتصل بحياتهم واهتماماتهم، ومنهم مؤهلون ومثقفون يستطيعون تقديم مداخلات مفيدة وقيمة، ولعل نقاش مثل هذه المواضيع المهمة ينتقل إلى وسائل التواصل الاجتماعي لكي تكتمل الفائدة للجميع.

إنشرها