كيف يدار الاقتصاد في أمريكا؟ «2 من 2»
إن الأشخاص الذين يفقدون وظائفهم من جراء عوامل عالمية أو بفعل التكنولوجيا عادة يكافحون من أجل العثور على عمل بسبب شرط الحصول على درجات جامعية والتكلفة الباهظة، التي تمثل عائقا أمام السكن في المدن الكبرى. وفي الوقت نفسه، تعد شبكة الأمان الاجتماعي متهالكة، وهو ما يعني وجود صعوبات أكبر تواجه الأشخاص الفقراء وذوي مستويات التعليم الأقل نسبيا.
وللتصدي لعدم المساواة، يحث ديتون صناع السياسات على ألا يقتصر تركيزهم على إعادة التوزيع فحسب التي لها حدود مفاهيمية وعملية وإنما على عوامل "التوزيع المسبق"، مثل التعليم والصحة، التي تؤثر في الكيفية التي تحدد بها الأسواق توزيع الدخل قبل الضرائب والتحويلات. ففي بعض الأحوال، يمكن لزيادة الحد الأدنى للأجور تعزيز رفاهية العمال منخفضي الدخل دون تقليل حجم التوظيف.
ويرى ديتون أنه توجد حاجة إلى تدخل الحكومة لتخفيض تكاليف الرعاية الصحية ومعدلات الفقر، ولضمان مزايا للتقاعد أكثر موثوقية. وفي سوق الرعاية الصحية، توجد عوامل مثل عدم اتساق المعلومات عن الأسعار والإجراءات المتبعة تعوق المنافسة. ويوضح الكاتب أن الإفراط في الاعتماد على قوى السوق في هذه الأحوال يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة في الحصول على الرعاية الصحية وزيادة أسعارها وتدني جودتها، مقارنة بالبلدان الغنية الأخرى.
ويفضل ديتون التمويل العمومي عن التمويل الفردي وتوفير معاشات تقاعد بسبب ارتفاع أخطار السوق، فمعظم الأشخاص يفتقرون إلى الأموال الكافية لمواجهة الأخطار، أما أولئك الذين يجانبهم الصواب في حساب الأخطار أو يعانون حظا عاثرا، فتكون الانعكاسات كارثية عليهم. وهو يؤكد أنه ينبغي للحكومات إيلاء اهتمام لمكافحة الفقر في الداخل لأن عليها التزاما خاصا أمام مواطنيها الذين يدفعون الضرائب ويعملون ويخدمونها، والفقر في الخارج، رغم أنه لا يرى في المساعدات حلا دائما.
وقد يرى البعض أن أوجه انتقادات الاقتصاد شاملة، وأنها تغفل المرونة الفكرية والسياسية، التي تطورت إبان الأزمة المالية العالمية وفي أعقابها، بما في ذلك من جانب صندوق النقد الدولي عندما كان أوليفييه بلانشار مستشارا اقتصاديا للصندوق. وعامة، يعد الكتاب ثريا بالمعلومات بما يتضمنه من طائفة متنوعة من الموضوعات، وجذابا، نظرا لما يتمتع به ديتون من حجة واضحة وخبرات ثرية، وممتعا، بفضل موهبته في الكتابة.