Author

صناعة التاريخ برؤية المستقبل

|

في كل عام تأتي ذكرى اليوم الوطني السعودي، لتجمعنا على أزهى الإنجازات الوطنية الثرية، فالأيام الوطنية ليست احتفاليات استعراضية بل مناسبة للتاريخ يوثقها أولئك الذين عاصروا التحولات الجذرية والملاحم التاريخية التي يعتز بها الوطن.
وإذا كانت المملكة قبل 93 عاما مجرد دولة تحاول أن تلم أبناءها في بيت واحد تحت لواء واحد، فلا شك أن تلك اللحظات التي أطلق فيها الملك عبدالعزيز - رحمه الله - اسم المملكة العربية السعودية تمثل حدثا عظيما لفت أنظار كل الأمم في بقاع الأرض، ولذلك ظل ذلك اليوم علامة شامخة على التاريخ السياسي للجزيرة العربية، ولن يمر عام دون أن تأتي ذكراه بعبيرها الجميل، فالأرض التي كانت محرومة من الوحدة السياسية، ومن المسمى الواحد، والثقافة الاسترشادية الواحدة، حملت في مثل هذا اليوم الراية الجماعية للنهضة الحضارية تحت لواء الملك عبدالعزيز وأبنائه. وهكذا يأتي اليوم الوطني في كل عام يحمل معه سجلاته التي وثقت تاريخ الإنجازات القومية والأحداث البارزة التي شكلت الدولة الحديثة، فاليوم الوطني في مفهومه الواسع هو نقلة حضارية تاريخية إلى الأجيال الصاعدة.
وإذا كان مفهوم اليوم الوطني هو استحضار المعلومات التاريخية وتوثيقها ودمج الأحداث الجديدة في سياق الوحدة الوطنية، لتكتمل ملحمة الوطن عبر التاريخ، فإن هذا اليوم يمارس فيه هذا الدور المميز من خلال الاحتفال الذي يحمل معاني تعزيز الوعي والفهم عن الدور الواضح في الحراك السياسي وقضايا المجتمع الدولي، وكذلك الجهود التي بذلت في سياقات القضايا الوطنية.
ومن هذا المنظور فليس كل الأيام الوطنية التي تشرق شموسها عبر الأعوام متطابقة المعنى والقيمة، بل إن لكل يوم وطني مزاياه التي تزهو بها عما سواه، فهو سجل راسخ لما استجد في العام الذي سبقه وما يحمله من تفاؤل عن المستقبل، فهو نقش على حجر التاريخ وعلامة لا تمحى في ذاكرة الأجيال عن صناع التاريخ الذين برزوا في كل زمان، هكذا يأتي اليوم الوطني الـ93 واحدا من أزهى وأنصع الأيام الوطنية عبر التاريخ المجيد، ففي هذا العام كتبت البلاد إنجازاتها الكبرى على جميع الأصعدة، السياسية والاقتصادية حتى السياحية والرياضية، وهذه الإنجازات الكبرى التي سيخلدها التاريخ تأتي في هذا العصر الزاهر في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي مكن الشباب والمرأة من القيام بالدور الرئيس في هذه التحولات عبر رسم رؤية 2030، وتولى الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء زمام قيادتها وتوجيه دفتها وتحقيق الاستقرار والخروج من الأزمات الصعبة التي خلفها انهيار أسعار النفط 2014، وتغلب بإدارته الحصيفة على كل الصعوبات التي واجهت التحول الوطني من التخطيط غير المركزي الذي انتهجته الخطط الخمسية إلى التخطيط المركزي عبر إنتاج مركز الحوكمة وبرامج الرؤية الـ13.
وفي هذا السياق التاريخي المهم وجد عام 1444 – 1445هـ أهمية من منجزات عدة أبرزها استضافته قمة الرياض العربية -الصينية للتعاون والتنمية، وأعمال الدورة العادية الـ32 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة (قمة جدة)، وعقد الدورة العادية الـ32 لاجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة التي عقدت في المملكة، والوفود السياسية على مستوى رؤساء الدول الذين قاموا أو من المخطط لهم القيام بزيارتها، جميعها تمثل أحداثا شكلت قيمة هذا اليوم الوطني وما يزهو به عن غيره من أيام الوطن، ولتحمل ذكراه قضايا تستحق الاحتفال بها كمنجزات وطنية كبرى، فلقد تأكد للعالم أن القرار السياسي العالمي يجب أن يمر بالرياض، كواحدة من أكبر عواصم القرار السياسي العالمي، ورغم أن السعودية كانت حاضرة بقوة عبر تاريخها في المشهد السياسي لكن هذا العام أثبت الثقل السياسي الكبير أنها تعد منصة للقرار العالمي في هذا العهد الزاهر. وستظل عملية الإجلاء التي نفذتها القوات البحرية الملكية بإسناد من مختلف أفرع القوات المسلحة، للسعوديين من السودان وعدد من رعايا الدول الشقيقة والصديقة بينهم دبلوماسيون ومسؤولون دوليون، مشهدا لن ينساه التاريخ عند ذكره لمآثر هذه البلاد العظيمة.
ومن المنجزات التي يتوشح بها اليوم الوطني لهذا العام التقدم الكبير الذي شهدته مبادرتا السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، اللتان تؤكدان التزام المملكة بجهود الاستدامة الدولية، وحماية الأرض، وفوز شركتي أرامكو وسابك للمغذيات الزراعية بأول شهادات اعتماد في العالم لمنتجات الهيدروجين الأزرق والأمونيا الزرقاء، كما أطلق صندوق الاستثمارات العامة شركة سوق الكربون الطوعي الإقليمية بملكية 80 في المائة للصندوق، و20 في المائة لمجموعة تداول السعودية القابضة لدعم الشركات والقطاعات في المنطقة لتمكينها من الوصول إلى الحياد الصفري، إضافة إلى شراء أرصدة الكربون لتخفيض الانبعاثات الكربونية في سلاسل القيمة، وعندما نتحدث عن حماية الأرض فإن المملكة حققت إنجازا علميا لافتا تمثل في إرسال رائدي فضاء إلى محطة الفضاء الدولية، وظهر دور المرأة السعودية ضمن برنامج رواد الفضاء، لإجراء 11 تجربة بحثية علمية رائدة في الجاذبية الصغرى، وتجدر الإشارة هنا إلى صدور قرار مجلس الوزراء بإنشاء "المجلس الأعلى للفضاء" وتغيير مسمى "هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات" إلى "هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية، ما يضع المملكة ولأول مرة في السباق الفضائي، والمنافسة في هذا الاقتصاد الواعد، كما توجت تلك الجهود بإطلاق شركة "سير"، كأول علامة تجارية سعودية لصناعة السيارات الكهربائية، جاء ذلك ضمن أعمال مؤتمر "ليب 23" الذي استضافته الرياض والإعلان حينها عن استثمارات تزيد على تسعة مليارات دولار، لدعم التقنيات المستقبلية وريادة الأعمال الرقمية والشركات الناشئة التقنية، كما ظهر أول روبوت سعودي تحت اسم "سارة"، وحققت المملكة المركز الأول في مؤشر نضج الخدمات الحكومية الإلكترونية لعام 2022، الصادر من لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "الإسكوا" التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، وتوجت بالترتيب الثاني على مستوى العالم في الوعي المجتمعي بالذكاء الاصطناعي، وفقا لمؤشر جامعة ستانفورد الدولي للذكاء الاصطناعي 2023.
يأتي ذلك مع إطلاق المخطط العام للمراكز اللوجستية، الذي يهدف إلى تطوير البنية التحتية للقطاع اللوجستي وتنويع الاقتصاد المحلي، وتعزيز مكانة البلاد كوجهة استثمارية رائدة ومركز لوجستي عالمي، وتم تأسيس شركة "طيران الرياض"، الناقل الجوي الوطني الجديد، مع إطلاق المخطط العام لمطار الملك سلمان الدولي، لتكون الرياض بوابة للعالم، ووجهة عالمية للنقل والتجارة والسياحة، وجسرا يربط الشرق والغرب، ويأتي ذلك أيضا في ظل استراتيجية وطنية للصناعة، كما تم إطلاق مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية، تحقيقا لمستهدفات الرؤية في القطاع الرياضي، الهادفة إلى بناء قطاع رياضي فعال، الذي تم من خلاله في وقت قصير أدهش العالم أجمع استقطاب أفضل نجوم العالم في كرة القدم إلى الأندية السعودية، ما يقدم شاهدا على حجم هذه البلاد وحكمة قادتها، ومدى تمحور اهتمام العالم بالمملكة العربية السعودية، سياسيا، واقتصاديا، ورياضيا.

إنشرها