Author

هل ستغير كمبوديا وجهتها السياسية؟

|

ظلت كمبوديا بعيدة عن مانشيتات الصحف الآسيوية، بعد أن كانت في الستينيات خبرا دائما بسبب الدور النشط لزعيمها الراحل الأمير نوردوم سيهانوك في كتلة عدم الانحياز، وبعد أن كانت في السبعينيات خبرا يوميا مثيرا بسبب مجازر قادتها المتوحشين من جماعة الخمير الحمر. لكنها عادت بقوة في الأسابيع الأخيرة على خلفية انتخاباتها العامة، وقرب تخلي رئيس وزرائها المزمن هون سين، عن السلطة بعد نحو أربعة عقود من القبضة الحديدية لمصلحة أكبر أبنائه هون مانيت.
ففي 23 يوليو الماضي، جرت انتخابات عامة في كمبوديا ضمن مظاهر ديمقراطيتها الشكلية، وعلى الرغم من أن نتائجها كانت محسومة سلفا لمصلحة حزب الشعب الكمبودي الحاكم بقيادة هون سين، على نحو ما حدث في آخر ستة انتخابات منذ تدشين الديمقراطية الاسمية في عام 1993 "مثلا في آخر انتخابات عامة جرت في 2018، حصد الحزب الحاكم 77 في المائة من الأصوات، وشغل جميع مقاعد الجمعية الوطنية البالغ عددها 123 مقعدا". وذلك بسبب تغول الحزب الحاكم وسيطرته التامة على البلاد واستبعاد مرشحي حزب المعارضة الرئيس "حزب الإنقاذ الوطني الكمبودي" الذي تم حله في 2017 بقرار قضائي على خلفية اتهامات مفبركة، ومعهم مرشحي حزب الشموع "آخر بقايا المعارضة الحقيقية" ممن اقتحمت مقارهم وأتلفت أوراقهم ومنعوا من التسجيل لأسباب بيروقراطية.
لكن الجديد هذه المرة كان دخول هون سين، المعمعة الانتخابية وهو ممنوع من استخدام صفحته على "فيسبوك"، التي لطالما اعتمد عليها في تلميع نفسه وحزبه بين متابعيه الذين يتجاوز عددهم 14 مليونا. فقد أصدرت شركة فيسبوك في يونيو الماضي قرارا بحذف حسابه بسبب مقطع يهدد فيه معارضيه ويخيرهم ما بين الرضوخ للنظام والقانون أو خفافيش الظلام. على الرغم من أن هذا القرار لم يكن ليؤثر كثيرا في حظوظ الرجل لجهة الاحتفاظ بالقيادة والاستمرار في الحكم، إلا أنه مثل صفعة قوية للرجل في نظر معارضيه.
المعروف أن هون سين، كان من رموز الخمير الحمر الذين استولوا على السلطة في فنوم بنه بدعم صيني لمدة عشرة أعوام، لكنه غير جلده وتعاون مع القوات الفيتنامية الغازية التي حررت كمبوديا من توحش الخمير، فكافأه الفيتناميون بتعيينه في 1979 نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للخارجية قبل أن يصعد ويتولى رئاسة الوزارة في 1985، وهو المنصب الذي ساعده على بناء نفوذه إلى درجة أنه حينما خسر حزبه التخويل الشعبي في انتخابات 1993 استطاع أن يشق طريقه ويتقاسم السلطة مع الأمير نوردوم راناريده ضمن الصفقة التي رعاها آنذاك الملك نوردوم سيهانوك.
وحينما اختلف مع شريكه راناريده قام بانقلاب ضده في 1997 ليصبح مذاك الآمر الناهي الوحيد والممسك بمقدرات كمبوديا بقبضة حديدية.
وللأمانة، فإن الرجل تمكن خلال فترة حكمه الصارم من تحقيق تغييرات اجتماعية واقتصادية إيجابية، بدليل نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي بنسبة 8 في المائة من 1998 إلى 2019 ونمو الدخل الإجمالي "على أساس متوسط القوة الشرائية للفرد" ستة أضعاف منذ 1997 من 760 دولارا إلى 5080 دولارا، قبل أن تتأثر هذه الأرقام بجائحة كورونا. وعلى حين كانت الصين دوما إلى جانبه في سياساته الداخلية والخارجية، كان البيت الأبيض والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة تكيل له الانتقاد بدعوى انتهاكه حقوق الإنسان ومناهضته الديمقراطية الحقيقية وقمعه وسائل الإعلام، وتفرض القيود على صادرات بلاده.
من جانب آخر، حظيت كمبوديا، أخيرا، على اهتمام المراقبين لسبب آخر غير الانتخابات، وهو نية هون سين، توريث الزعامة لنجله الأكبر هون مانيت، الذي ظل يعده على مدى الأعوام الماضية لخلافته.
وبما أن هذا حدث بالفعل، فإن المراقبين راحوا يتساءلون عما إذا كان الزعيم الجديد سيواصل السير على خطى أبيه؟ أم سينفذ أجندة إصلاحية داخلية، ويقود بلاده خارجيا باتجاه الغرب بدلا من الصين؟
بعضهم يتوقع أن يلتزم هون مانيت، بسياسات أبيه، فهو يحاكيه في السلوك والخطاب والصوت واللبس والهوايات، خصوصا مع افتقاده الخبرة وشرعية والده المستمدة من تحقيق السلام والاستقرار والازدهار الاقتصادي، فضلا عن أن والده لئن تقاعد عن رئاسة الحكومة، فإنه لم يتخل عن قيادة الحزب الحاكم، وبالتالي سيكون عينا تحرسه من طموحات الحرس القديم وموجها له من خلف الكواليس. لكن بعضهم الآخر يتوقع خلاف ذلك استنادا إلى حقيقة أنه من الجيل الجديد المتعلم في الغرب والمتماهي مع ثقافته والراغب في بناء شرعيته الخاصة عبر التودد للغرب طلبا لاستثماراته، على الرغم من حقيقة أنه ليس كل من درس في الغرب يمكن أن يكون مواليا للغرب "أقرب مثال ديكتاتور كوريا الشمالية كيم جونج أون، الذي درس في سويسرا".
وللمعلومية، فإن هون مانيت "45 عاما" أنهى دراسته في بنوم بنه، وانضم إلى الجيش الكمبودي عام 1995، وأرسله والده إلى الأكاديمية العسكرية الأمريكية في ويست بوينت، فكان أول كمبودي يتخرج فيها عام 1999، ثم تابع دراسته في الخارج، فحصل على بكالوريوس الاقتصاد من جامعة نيويورك عام 2002، ودرجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة بريستول البريطانية عام 2008، قبل أن يترقى في الجيش ويقود قوات بلاده في المناوشات الحدودية مع الجيش التايلاندي، ويشغل مناصب عليا في وحدة الحراسة الشخصية لوالده، وقوة مكافحة الإرهاب، وقبل أن يترأس لجنة الشبيبة في الحزب الحاكم منذ 2020، ويقوم بعديد من الأنشطة الخيرية والاجتماعية التطوعية، ولا سيما في فترة انتشار وباء كورونا.

إنشرها