التضخم الشخصي ومعدلات الاستهلاك

تعكس معدلات التضخم المعلنة متوسط نسبة ارتفاع تكاليف المعيشة لجميع سكان بلد أو منطقة جغرافية ما، وذلك خلال فترة زمنية معينة. وتحدد عادة أهم السلع والمنتجات والخدمات المستهلكة من خلال مسوحات إحصائية يجري فيها تسجيل بيانات استهلاك السلع والمنتجات والخدمات لعينة من الأسر تمثل البلد أو المنطقة الجغرافية خلال فترة من الزمن. وتسمى مجموعة السلع والمنتجات والخدمات المستهلكة المحددة في المسوحات السلة الاستهلاكية.
تضم السلة الاستهلاكية المستخدمة في إعداد مؤشرات التضخم مئات السلع والمنتجات والخدمات التي يسمى كل واحد منها بندا. وتوضع البنود في مجموعات استهلاكية رئيسة كالأغذية والمواصلات والسكن والتعليم والرعاية الصحية. يحدد لكل بند وزن معين يمثل نسبة الإنفاق عليه إلى إجمالي الإنفاق الاستهلاكي. وتجمع الأهميات النسبية لبنود كل مجموعة للحصول على أهمياتها النسبية. وتزداد أهمية البند أو المجموعة مع مقدار المبالغ التي يخصصها المستهلكون بشكل إجمالي للإنفاق عليه من جملة المبالغ المخصصة للاستهلاك. وتضرب الأهمية النسبية للبند في التغير السعري الشهري أو السنوي للحصول على مساهمته الشهرية أو السنوية بالتضخم. ثم تجمع مساهمات جميع البنود للحصول على معدل التضخم. أما بالنسبة إلى الأسعار فتقاس في منافذ بيع التجزئة المختارة على أساس إحصائي معين في أنحاء متفرقة من المدن والمحافظات والمناطق المحددة.
يفترض عند إعداد معدلات التضخم أن متوسطات أو معدلات جميع السكان تستهلك هذه السلة بأوزانها المحددة في مسوحات الإنفاق الاستهلاكي، كما أنهم يدفعون في المتوسط أسعار منافذ البيع المختارة. لكن هذا الافتراض لا ينسجم بشكل دقيق مع الواقع، حيث تختلف السلال الاستهلاكية بين الشرائح السكانية، كما تتباين كثيرا بين الأفراد. ولهذا تختلف تأثيرات التضخم بين الأشخاص والشرائح السكانية والمناطق الجغرافية.
تصدر عادة المؤسسات الإحصائية معدلات تضخم للمناطق والتجمعات السكانية الكبيرة. ويحدث اختلافات معتبرة في معدلات التضخم بين مناطق الدول ومدنها، نظرا إلى تأثير العوامل المحلية على تكاليف البنود الاستهلاكية وعلى عوامل العرض والطلب. فقد يرتفع الطلب على السكن في منطقة معينة أكثر من غيرها، ما يرفع تكاليف السكن. كما قد توجد قوى احتكارية أو اختناقات إمداد في منطقة ما وتختفي في منطقة أخرى، ما يرفع أسعار تلك المنطقة.
يؤثر الدخل كثيرا في طبيعة السلات الاستهلاكية للأفراد والشرائح السكانية المختلفة. وتتباين كثيرا فيما بينها سلات استهلاك منخفضي ومتوسطي ومرتفعي الدخل. وترتفع أهمية الغذاء والمواصلات والطاقة للفقراء، بينما تتراجع للأغنياء. لهذا فإن قفزات أسعارها تؤثر بشدة في رفاهية الفقراء ومحدودي الدخل، بينما قد لا يشعر بها الأغنياء. وتصدر بعض الدول معدلات تضخم حسب شرائح الدخل لتوفير معلومات لبرامج الحماية الاجتماعية. من جانب آخر، تختلف شرائح الدخل حتى في اختيار منافذ البيع، فهناك منافذ تخفض أرباحها وأسعارها لجذب الأقل دخلا، بينما يتوجه مرتفعو الدخل إلى منافذ بيع ماركات معينة مرتفعة الأسعار.
لا تتضمن السلة الاستهلاكية العامة لجميع السكان كل السلع والمنتجات والخدمات بماركاتها المختلفة، كما أن الأسعار المقاسة من أجل إعداد معدلات التضخم تكون لماركات محددة. أما على أرض الواقع، فهناك اختلافات كبيرة بين سلال الأفراد الاستهلاكية وأهميات وماركات بنودها، ما يعني تباين تأثيرات ارتفاع الأسعار بين الأفراد. كما تتباين أيضا ردود أفعال المستهلكين على تغيرات الأسعار، فمنهم من يهتم كثيرا بتغيرات الأسعار، ما يدفعه إلى تغيير المنتجات والماركات ومنافذ البيع للحد من آثار التضخم، بينما يقل اكتراث آخرين.
تؤثر الخصائص السكانية "كالعمر والنوع" والاجتماعية والصحية والمناخية والتفضليات الشخصية في طبيعة وتركيبة السلة الاستهلاكية وأهميات بنودها. فقد يميل سكان بعض المناطق أو الشرائح إلى سكن الشقق مثلا، بينما تفضل أخرى البيوت المستقلة، وقد يرتفع استهلاك منتجات معينة كملتزمات الرحلات أو لحوم الجمال لدى شريحة معينة، بينما يتراجع في أخرى. ويؤثر السكن بقوة في تكاليف معيشة المستأجرين الذين يكونون في العادة أقل دخلا من الملاك. فارتفاع الإيجارات بقوة يجبر الأسر على اقتطاع نسب أكبر من دخلها للسكن، ما يخفض إنفاق الأسر المستأجرة في أوجه الاستهلاك الأخرى.
عموما، يواجه الأفراد معدلات تضخم مختلفة تتوقف على نوعية وأهمية البنود المستهلكة من سلع وخدمات في إجمالي إنفاقهم الاستهلاكي. فقد يكون متوسط التضخم العام في الدولة 5 في المائة، لكن قد يصل إلى 10 في المائة أو أكثر بالنسبة إلى بعض الأسر والأفراد، أو أقل بالنسبة إلى أسر أخرى. ولا سبيل لتغلب الأفراد على التضخم إلا برفع مخصصات الاستهلاك النقدية والسعي لرفع الدخل، أو خفض حجم الاستهلاك، أو تغيير أساليب وطرق المعيشة والشراء والاستهلاك النقدية والسعي لرفع الدخل، أو خفض حجم الاستهلاك، أو تغيير أساليب وطرق المعيشة والشراء والاستهلاك.
يمكن للأشخاص قياس التضخم الذي يواجهونه من خلال الأسلوب نفسه لإعداد تغير الأسعار التي تقوم بها المؤسسات الإحصائية، لكن هذا مضن ويستهلك وقتا كبيرا. لهذا يمكن تقدير التضخم الشخصي من خلال قياس زيادة تكاليف أهم البنود وضربها في أهميتها بالنسبة إلى المبلغ الإجمالي المخصص للاستهلاك، ثم جمع تأثيراتها للخروج بالتضخم الشخصي. فلو ارتفعت تكاليف إيجار الشخص 10 في المائة، والطاقة 20 في المائة، وكانتا تستحوذان على ربع وخمس إنفاقه الاستهلاكي على التوالي، ولم يرتفع أسعار سواهما، فإن معدل تضخمه الشخصي سيصل إلى 6.5 في المائة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي