قولبة المشاعر

في المناسبات العامة، وتحديدا في الأعياد، ينشط عادة التواصل للتهنئة والدعاء، وهو أمر جيد طالما لم يصل إلى حد الإغراق والسيل الجارف من التنبيهات العشوائية. هل تقرأ كل ما تنثره عليك الشبكة من النصوص والرسومات والتصاميم، التي تشير أحيانا إلى اسم جهة العمل التي استعانت بذكاء في الترويج لهويتها عبر تصاميم مفتوحة للموظفين، لست متأكدا أن الذي يهنئني بالعيد الشخص أم المنظمة.
لقد كانت التهاني حارة صادقة تستطيع لمسها عن قرب وتشعر بدفئها، خصوصا من أولئك الذين انقطعت عنهم الأخبار، أو تواروا خلف مشاغل الأعمال اليومية.
إن التهاني الحديثة تأخذ طابع الجمود، وتفتقد حرارة التواصل ولذته، لكن وفي كل الأحوال، فإن التهاني الآن لها طابع فني مميز ومختلف ومتنوع وهي مقبولة، والفنون جميلة في كل أحوالها طالما لم تقولب، والقطعة الفنية تبقى كذلك إذا حافظت على رمزيتها. وهذا يذكرني بورقة بلوت كانت تحمل صورة الموناليزا، قطعة البلوت لم تسئ للوحة الشهيرة، لكنها وضعتها في قالب معلب سلب منها لذة الفن وإبهار الإبصار.
ميزة "تحديد الكل" أو هذه الطريقة الروبوتية سلبت حلاوة التهنئة وطراوة التواصل، لأنك لا تشعر باهتمام المرسل أو أنه قد خصك بالتهنئة قاصدا متعمدا.
خلا ذلك، ثمة قلة حافظت على وشائج التواصل الحقيقي وتبذل من أجل ذلك جهدا، فهي مميزة في طريقة تواصلها واتصالها، وصادقة في مشاعرها.
إن تعليب المشاعر من أقسى ما أنتجته منصات التواصل والدردشة المباشرة، وحينما "ترقمن" المشاعر فإنها تفتقد الهدف الذي من أجله يتواصل الناس، لأنك لا يمكن أن تمنح مشاعرك وتفاعلك إلى آلة لا ترى ولا تحس ولا تشعر، ومن هنا نشأت فكرة التجاهل.
كثيرون لا يتفاعلون مع الرسائل العامة، بل بعضهم يحجبها ولا يقبلها ولهم رأي يُحترم، إذ من غير الممكن أن تتفاعل مع آلة لا تملك عاطفة، لكن في المقابل ما الذي يحفز الآخرين على التواصل بهذه الطريقة رغم أنها مسلوبة الحياة، وتنبض من خلال وصلات لا شرايين، وترى عبر كيابل لا أعصاب، فاللغة الجامدة ناقل غير جيد وغير فاعل للمشاعر، ولا سيما حينما تكون بين الأقارب ومن يحتاجون إلى صلة حقيقية، كالوالدين والإخوان والأقربين.
إن وضع العائلة القريبة موضع الأصدقاء العامين مقلق، ويجب ألا يستمر بهذه الطريقة، فمشاعر القربى يجب ألا تعلب، وتواصلك مع من تحب لا يرقمن ببساطة، لأن صدق المشاعر لا يقولب في تصميم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي