الدعاء والادعاء

الدعاء نفحة روحية تبث الطمأنينة في البشر لأنهم يتضرعون لله -عز وجل- أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين بعباده، والدعاء عبادة يمكن ممارستها في كل وقت وكل مكان ويكفي أن المولى سبحانه أمرنا به "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم".
يلحظ من يستعرض وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا بعد فرضها رؤية محتوى ليس من اختيارك كثرة من يخصصون أدعية معينة لأهداف معينة، وأكثرهم يركزون على المحتوى الخاص بالمال والرزق، حيث يؤكد بعضهم أن صيغا معينة من الأدعية مضمونة ومجربة على حد قولهم الذي قد يكون صحيحا وصادقا، وقد لا يكون.
ويلمس من يدقق في مثل هذا المحتوى جنوحا للتواكل وعدم التركيز على التوكل، وهذا يوجد مشكلة لدى المتلقي الذي ربما ردد الدعاء المذكور بعدد المرات نفسها وفي الأوقات المذكورة نفسها ولم يجد نتيجة، وهو لن يجدها وهو قابع في المنزل ينتظر المال والثراء والفرص التي ستنهال عليه. أجد في ذلك تشويها لهذه العبادة التي لا أعرف كيف يمكن للبعض حصرها في صيغ وجمل معينة بينما هي في الأساس صلة خاصة بين الإنسان وربه، الإنسان الذي يمكنه التعبير كيفما يشاء طالما فعل ما يجب من التوحيد والإخلاص واليقين بالله ثم ما يجب من العمل والجهد لتحقيق مراده.
الأنبياء والرسل يمثلون أفضل قدوة عند مناجاة الرب فالنبي موسى -عليه السلام- قال في دعائه "رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير"، ويونس -عليه السلام- لم يزد على أن قال "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"، وخاتم الأنبياء والمرسلين في أعظم ليلة مرجوة وهي ليلة القدر لم يزد على "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني"، والشاهد أنك لا تحتاج لمن يحدد لك نصا محددا للدعاء وفي القرآن الكريم شواهد مختصرة وعميقة من أفضل الخلق الذين لم يكتفوا بالدعاء وعملوا لتحقيق رغباتهم وطلبوا الرزق بالعمل قبل القول.
للدعاء والمناجاة أثر كبير ومهم في طمأنينة الإنسان، وهذه العلاقة الخاصة هي من مسببات السعادة، وهي أيضا من حوافز العمل والتعلم وتمكين الإنسان من العيش حياة مشبعة روحيا، ومشجعة عمليا يحقق فيها طموحاته ويوظف فيها قدراته إلى أقصى حد ممكن وصولا إلى الرضا عن الذات وهو أكبر الحوافز لطلب الرزق وتمني الثراء وغيرها من أمنيات الدنيا.
إذا رفعت كفيك للعظيم الكريم فقل ما يخطر ببالك، ثم افعل ما يجب عليك، وستجد كل خير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي