صراع إيراني - أفغاني متفاقم عنوانه المياه
في نيسان (أبريل) 2021 كتبنا مقالا، توقعنا فيه انفجار صراع بين طهران وكابول حول المياه. إذ كانت كل الدلائل تشير إلى أن كلتا الدولتين تعانيان نقصا في المياه، وسائرتان نحو خلافات حادة حول حقوقهما في مياه الأنهار المشتركة، خصوصا في ظل تباين التوجهات الأيديولوجية لنظاميهما الذي نجد تجلياته في تكرر المناوشات الحدودية المسلحة بين حرس الحدود الإيراني وميليشيات حركة طالبان.
ففي أفغانستان مثلا، أسهمت عوامل الجفاف وتلوث الأنهار وضعف البنية التحتية لجهة تخزين المياه وتوزيعها وانعدام الأمن والهجرة من الأرياف إلى المدن في تدهور المحاصيل الزراعية كما وجودة، وبالتالي ارتفاع أسعار الغذاء. يضاف إلى ذلك عاملان مهمان آخران، أولهما العقوبات الدولية على نظامها الطالباني التي تعيق حصول البلاد على مساعدات دولية لإنشاء السدود ومشاريع توليد الطاقة منها، وثانيهما استغلال إيران أوضاع أفغانستان المضطربة في الحصول على كمية أكبر بكثير من حصتها المقررة في مياه نهر هلمند، الذي يعد أطول أنهار البلاد، "يقدر طوله بـ1150 كيلومترا وينبع من جبال هندوكوش في الشمال الشرقي لأفغانستان، ويصب في بحيرة هامون في شرق إيران، وتطلق عليه الأخيرة اسم نهر هيرمند".
أما إيران فتعاني هي الأخرى نقصا في المياه بعد أن جفت بحيرة "أرومية" في شمال غرب البلاد تماما، وتكاد بحيرة "هامون" على الحدود مع أفغانستان تقترب من الجفاف، فضلا عن جفاف نهر شيراز بعد تحويل مجراه إلى أصفهان.
من هنا، فإن التهديدات المتبادلة بين مسؤولي البلدين منذ 18 أيار (مايو) حول مياه هلمند، لئن أضافت ملفا خلافيا جديدا إلى الملفات الشائكة الكثيرة بين الجارتين، كملفات الحدود، واللاجئين، والأمن، فإنها تنذر بسيناريوهات عنف خطيرة واحتقانات غير مسبوقة، خصوصا بعدما حدث أمر غير مسبوق هو مشاركة الرئيس الإيراني حسن روحاني بنفسه، في إطلاق الاتهامات والتهديدات ضد نظام طالبان الأفغاني. حيث أوردت وكالات الأنباء توجيه روحاني تحذيرا شديد اللهجة لحكومة طالبان قائلا، إن عليها أن تأخذ كلامنا على محمل الجد، وأن تسمح للخبراء الإيرانيين بفحص منابع نهر هيرمند "هلمند" والسدود المقامة عليه، مضيفا، "لن نسمح بانتهاك حقوق الناس بأي شكل من الأشكال، والحكومة عازمة على استعادة حقوق الشعب الإيراني أينما كانت"، ليرد عليه الناطق بلسان طالبان الملا ذبيح الله مجاهد، فورا قائلا إن "على السلطات الإيرانية أن تراجع معلوماتها عن نهر هلمند ثم تعبر عن مطالبها بألفاظ مناسبة".
ويتهم البلدان بعضهما بعضا بخرق بنود معاهدة قديمة وقعت 1973 حول اقتسام مياه هلمند، علما بأن أفغانستان اعترفت وقتها بحق إيران في حصة من مياه النهر تعادل 850 مليون متر مكعب سنويا، مقابل إمداد إيران أفغانستان بالكهرباء. والجدير بالذكر أن هذه الاتفاقية صمدت حتى وصول طالبان إلى الحكم لأول مرة 1996. وبعدها قررت كابل تشييد سد "كمال خان" على مسار النهر من أجل توليد حاجتها من الكهرباء، والاكتفاء ذاتيا بدلا البقاء تحت رحمة نظام فقهي يعاديها، لكن المشروع تعطل بسبب الحروب التي شهدتها أفغانستان، قبل أن يستأنف مجددا في 2011 بمساعدة هندية، إلى أن استكمل بناء السد وافتتح 2021 زمن حكومة الرئيس أشرف غني، التي أعلنت وقتذاك أنه لم يعد من الممكن لإيران الحصول على حصتها بسبب التغيرات المناخية من تلك التي أثرت سلبا في تدفق النهر، وأن من يريد حصته فعليه أن يدفع مقابلها نقدا أو نفطا.
وتقول كابول الآن إنها ملتزمة ببنود تلك المعاهدة، لكن الجفاف والتغيير المناخي أثرا في المياه عموما، كما أنها تشهر في وجه الإيرانيين البند الخامس من المعاهدة الذي ينص على أن أفغانستان "ستحتفظ بجميع الحقوق في توازن مياه نهر هلمند، ويمكنها استخدام المياه أو التخلص منها بالشكل الذي تختاره". هذا فضلا عن أن البند الأخير من المعاهدة يقول، "يحق لإيران فقط الحصول على الكمية المحددة المتفق عليها، بغض النظر عما إذا كانت كميات إضافية من المياه متاحة". وهذا يعني تمتع أفغانستان بشكل واضح بحقوق أحادية لجهة إمدادات المياه المتبقية للنهر، كما يعني حريتها في تنفيذ المشاريع الزراعية ومشاريع الطاقة المائية والسدود على النحو الذي تراه مناسبا، وتنحصر مسؤوليتها في منع تلويث المياه وعدم القيام بأي عمل من شأنه حرمان إيران كليا أو جزئيا من حقها المائي المتفق عليه.
أما طهران، فتزعم أن جارتها تتعمد حجز المياه، ولا تمكنها من الحصول على حصتها المقررة، لأسباب سياسية، خصوصا بعد أن انتفت حاجة أفغانستان إلى الكهرباء الإيرانية.
ونختتم بالإشارة إلى أن المعضلة الحالية، التي قد تتفاقم بعد أن أمهلت طهران جارتها شهرا واحدا للاستجابة لمطالبها، هي في الحقيقة ناجمة عن الطريقة العشوائية التي استخدمت في رسم الحدود الإيرانية - الأفغانية في نهايات القرن الـ19، حينما كانت بريطانيا تهيمن على أفغانستان. وقتها تم رسم الحدود على طول الرافد الرئيس لنهر هلمند الذي يعد الشريان الرئيس لحياة البلدين.