Author

اختيار التخصص في عالم متغير

|

خلال الأيام المقبلة يدخل أبناؤنا في جميع المراحل الاختبارات لحصد ما زرعوه واعتنوا به خلال العام الدراسي، للانتقال من صف إلى آخر داخل المرحلة، أو الانتقال إلى مرحلة أخرى تؤهل لبناء الفرد لمستقبل متغير، بصورة سريعة ومغايرة لما هو معهود في الوقت الراهن. ومن المراحل الحساسة التي يؤمل على نتائجها الطلاب وأولياء الأمور المرحلة الثانوية، حيث تمثل مرحلة انتقال رئيسة يتم بناء عليها تحديد المسار التخصصي الذي يمكن للطالب الالتحاق به، ليرسم طريقه نحو المستقبل بما يحقق طموحاته، ذات الطابع الشخصي، وبما يؤهله لخدمة مجتمعه بالشكل اللائق.
اختيار التخصص المناسب بعد المرحلة الثانوية، ليس بالأمر الهين، لما يرتبط به من شروط، ليس بمقدور الفرد توفيرها أو التحكم فيها، نظرا إلى ارتباطها بالبناء العقلي ذي القدرات النوعية التي تميز الأفراد عن بعضهم، إضافة إلى الميول والرغبات المتشكلة في الوجدان. وهذه بلا شك لا يمكن عزلها عن المراحل الدراسية السابقة، والتنشئة المنزلية، والخبرات المكتسبة منها، سواء كانت إيجابية أم سلبية والتي قد تعزز مجالا دون آخر، كما تضعف مجالات أخرى، ليس بصورة مقصودة، وإنما نتيجة الجهل، وقلة الخبرة لدى المعلم في أساليب التعليم الناجعة، وعدم التعامل المناسب وفق الفروق الفردية، أو الوالدين لجهلهما في أساليب التنشئة.
اختيار التخصص المناسب في الجامعة، ليس بالأمر الهين ليترك الطالب وحده يعالج الأمر، إذ ربما قلة النضج تقوده إلى اختيار ما لا يتناسب مع قدراته، أو ما لا يتوافق مع ميوله الحقيقية، أو ما لا ينسجم مع متطلبات المرحلة الزمنية، خاصة احتياجات سوق العمل من المهن، إذا أخذنا في الحسبان التغيرات الهائلة على الصعيد العالمي، والسوق المحلية، كما لا يمكن ترك اختيار التخصص حسب رغبة الوالدين، والأقارب، والأقران، الذين قد يؤثرون بصورة سلبية.
العالم بكامله يشهد طفرة هائلة في المنتجات التقنية، وينقسم العالم بين منتج يضخ منتجاته بصورة متسارعة مع قدرته على التحكم في مجريات الأمور، وتكييف مناهجه الدراسية، وخططه في توزيع القوى البشرية على المجالات المتنوعة بما يتناسب مع الاحتياجات الفعلية وبما يتفق مع قدرات وخبرات وخلفيات الأفراد. أما الصنف الثاني في العالم، فمستهلك يستورد منتجات الآخرين بغض النظر عن حاجته إليها، لتوجد المنتجات المستوردة واقعا جديدا في المجتمع يتطلب الأمر جهودا وإنفاقا لحل المشكلات الناجمة عنه، كما أن هذا الصنف يواجه صعوبة في رسم سياسات وخطط التأهيل في سوق العمل، نظرا إلى سرعة التغيرات وصعوبة التحكم فيها.
نشهد في الوقت الراهن تنافسا وحروبا سياسية وعسكرية، وإن كانت بالوكالة في مجال الطاقة والثروات المعدنية، وفي مجال التقنية المتقدمة، وربما يمثل المجالان فرصة سانحة لخريجي طلاب المرحلة الثانوية للالتحاق بالجامعات، والكليات التقنية التابعة لمؤسسة التعليم والتدريب التقني، ولعل الحوافز تسهم في ترغيب وجذب شباب الوطن لهذا المجال الحيوي المهم، لسد ثغرة النقص في سوق العمل، وأهم الحوافز ثقة الطلاب بالمستقبل الوظيفي الواعد، فكثير منهم لا يثق بوجود ذلك، أو ليس لديه وضوح.
الصورة المتشكلة لدى البعض عدم وجود فرص عمل لخريجي الكليات التقنية، وهذه الصورة يتم تناقلها بينهم، ويستشهدون بقلة وجود كوادر سعودية كافية في بيئات العمل المشاهدة، وذات العلاقة، كما في ورش السيارات، ومحال إصلاح الأجهزة، وغير ذلك، لذا على الجهات المعنية إعطاء المعلومات الكافية وبالأرقام بشأن حاجة سوق العمل الآنية والمستقبلية في مناطق المملكة، وحسب التخصصات، مع توفير الدعم وتيسير الحصول عليه.

إنشرها