تكامل نمو القطاع الخاص مع تحفيز السياسات
أسهم النمو المستمر للقطاع الخاص بمتوسط ربع سنوي 5.4 في المائة خلال الفترة من الربع الثالث 2021 حتى الربع الأول 2023، في تنامي العمالة المواطنة لديه بمتوسط ربع سنوي قياسي بلغ 12.0 في المائة خلال الفترة نفسها، ما قفز بدوره بحجم العمالة المواطنة في القطاع بصافي زيادة وصلت إلى 445 ألف عامل، أي بما تصل نسبته إلى 25.2 في المائة من إجمالي حجمها في القطاع بنهاية الربع الأول من العام الجاري، ووصولها إلى أعلى مستوى تاريخي لها عند أعلى من 2.2 مليون عامل. ورغم أهمية النمو الذي تحقق للقطاع الخاص خلال الفترة الماضية، وإسهاماته في زيادة حجم الوظائف أمام الموارد البشرية المواطنة، إضافة إلى تحسين مستويات الأجور، بارتفاع متوسط الأجور الشهرية بمتوسط نمو سنوي 3.8 في المائة، من 7048 ريالا شهريا في بداية الفترة إلى 7327 ريالا شهريا في نهاية الفترة، وانخفاض نسبة ذوي الأجور 3.0 آلاف فأدنى من 14.6 في المائة الإجمالي في بداية الفترة إلى 4.5 في المائة من الإجمالي في نهاية الفترة.
أؤكد رغم أهمية جميع ما تقدم من إسهامات نوعية وكمية للقطاع الخاص، لا بد من الإشارة أيضا إلى أهمية التحديثات التي قامت بها وزارة الموارد البشرية على مبادرات وبرامج التوطين، وهو ما سبق الحديث عنه بالتفصيل في المقال السابق "نمو إيجابي مستمر لتوطين وظائف القطاع الخاص"، والتأكيد أيضا على استمرار تلك التحديثات للبرامج، التي تواكب المتغيرات المتجددة باستمرار على الاقتصاد وبيئة الأعمال المحلية فترة بعد فترة، والأهمية الأكبر لتكاملها مع الإمكانات والموارد المتوافرة لدى مختلف منشآت القطاع الخاص، وأخذها في الحسبان حجم ونشاط تلك المنشآت التي تختلف من نشاط إلى نشاط آخر، وتختلف أيضا من منشأة إلى منشأة أخرى حسب حجمها والموارد المتوافرة لديها.
يأتي التأكيد هنا في سياق الحديث عن أهمية النمو المستدام والمطرد للقطاع الخاص الذي يتطلب تكثيف الجهود والموارد المحلية لمزيد من دفعه والمحافظة على وتيرته الإيجابية، كونه العامل الأهم بالنسبة على مستوى رفع قدرة القطاع لحجم الوظائف لديه، وزيادة فرصه في إيجاد مزيد منها بالتزامن مع نموه المستدام بالمعدلات المستهدفة واللازمة لها، وهو المحور التنموي المهم الذي تبنته أغلب مبادرات وبرامج رؤية المملكة 2030، وتثبت مؤشرات الأداء الاقتصادي أنه على الطريق الصحيح بحمد الله.
يؤكد النمو المطرد لمخرجات التعليم العالي والفني والمهني بمستوياته الراهنة، أهمية استمرار ما تم من جهود كبيرة طوال الثلاثة أعوام الأخيرة، وأن تتوسع بصورة أكبر أمام النمو المتسارع لحجم مخرجات التعليم، الذي تشير أحد مؤشراته بواقع أرقام الفترة الراهنة، إلى أن ما كانت تقدمه جامعة واحدة من خريجين قبل أكثر من عقدين من الزمن، أصبحت كلية واحدة من تلك الجامعات خلال الفترة الراهنة تقدم كأعداد خرجين أكبر مما كانت تقدمه جامعة بأكملها، وما هذا بحمد الله وفضله ليس إلا إحدى نتائج الجهود التنموية العملاقة للدولة -أيدها الله- على مستوى الارتقاء بحياة الإنسان السعودي، والعمل المستمر على تعزيز إمكاناته وقدراته العلمية والعملية، ويحتل هذا الجانب التنموي الاهتمام الأول لمستهدفات رؤية المملكة 2030، ما يقتضي بدوره ولأهميته أن تتكامل الجهود والسياسات من قبل الأجهزة الحكومية ومنشآت القطاع الخاص، وصولا إلى المستويات التي تلبي تلك التطلعات والمستهدفات من جانب، ومن جانب آخر بما يمكن الأطراف كافة من تجاوز أي تحديات أو معوقات محتملة.
لهذا لا بد من التأكيد مجددا على ما سبق الحديث عنه في أكثر من مقام ومقال، بالعمل المتكامل والمشترك بين القطاعين الحكومي والخاص، بتبني مزيد من السياسات والمبادرات المرحلية المحفزة بدرجة أكبر للقطاع الخاص خصوصا، وللاقتصاد الوطني عموما، من خلال التركيز الأوسع والأكبر على تحفيز وتنشيط المجالات والنشاطات المنتجة في الهيكل الاقتصادي، ولو أتى ذلك على حساب التضحية بالنشاطات غير الإنتاجية، التي يأتي في مقدمتها بكل تأكيد المضاربات وعمليات تدوير الأموال في الأراضي وما شابهها من أصول أو سلع مختلفة. تأتي أهمية تبني مثل تلك السياسات والمبادرات التي تستهدف دعم استقرار القطاع الخاص بالدرجة الأولى، بما يؤهله للمحافظة على وجوده وإثبات قدمه في هيكل الاقتصاد الوطني، ولتتوافر لديه القدرة أيضا بالمحافظة على العمالة المواطنة لدى القطاع كهدف استراتيجي وتنموي أول، ثم بالدرجة الثانية أن تسهم تلك السياسات والمبادرات في توفير عديد من خيارات دعم نمو القطاع وتوسع نشاطاته واستثماراته، ورفع إسهاماته في تعزيز النمو الاقتصادي بصورة مستدامة، التي سيؤدي تحققها مجتمعة في زيادة وتعزيز قدرة القطاع الخاص على مستوى زيادة معدلات توظيف الموارد البشرية المواطنة.
إنها من المرتكزات المهمة جدا المؤمل أن تتسم بها المبادرات المنشودة لأجل القطاع الخاص بالتزامن مع توقعات الركود الاقتصادي العالمي خلال العامين المقبلين، كما أنها -بحمد الله وفضله- تقع في خانة الممكن تحقيقه قياسا على الموارد المالية القياسية التي أصبحت متوافرة لدى الاقتصاد الوطني، إضافة إلى جاذبيته أمام الاستثمار الأجنبي الباحث عن اقتصادات متحفزة لمزيد من النمو، وقبل ذلك تتمتع بالاستقرار السياسي والاجتماعي الذي تتفوق به بلادنا بحمد الله على كثير من الدول حول العالم، التي جاءت نتيجة الإصلاحات العملاقة تحت مظلة رؤية المملكة 2030.