Author

الفائدة أعلى من التضخم .. ضغوط مرحلية

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

أعلن قبل أمس معدل التضخم في المملكة بنهاية نيسان (أبريل)، باستقراره عند 2.7 في المائة، كما كان متوقعا، قياسا على الجهود القائمة الآن بالسيطرة على الأسعار، ولم يخرج عنها إلا الارتفاع المطرد للشهر الـ14 على التوالي لبند الإيجار المدفوع للسكن، الذي سجل ارتفاعا سنويا وصل إلى 9.6 في المائة، ما تقتضي مواجهته من قبل الأجهزة التنفيذية المعنية بمزيد من الضوابط المنظمة، التي تستهدف تنظيم سوق الإيجارات، وتلزم ملاك العقارات المؤجرة عموما بها، وأن تأتي الزيادات -إن حدثت- ضمن الحدود المعقولة والمقبولة، والمتوافقة مع مؤشرات الاقتصاد عموما، والسوق خصوصا، كما هو معمول به في أغلب الدول والأسواق حول العالم.
بالنسبة إلى معدل التضخم الراهن "2.7 في المائة"، مع مقارنته بمعدل التضخم في الولايات المتحدة "4.9 في المائة"، فلا يزال أدنى محليا للشهر الـ22 على التوالي منذ "تموز (يوليو)" 2021، وطوال تلك الفترة لم يتجاوز التضخم محليا سقف 3.4 في المائة "حققه في كانون الثاني (يناير) 2023"، وكان الإجراء المضاد لارتفاع التضخم في الولايات المتحدة، بوصوله إلى أعلى مستوياته في 42 عاما مضت "9.1 في المائة" بنهاية "حزيران (يونيو)" 2022، قيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بأسرع عمليات متتالية لرفع معدل الفائدة، وصلت إلى عشر مرات خلال أقل من 14 شهرا مضت، مضيفا 500 نقطة أساس استقرت في آخر عملية رفع للفائدة عند 5.125 في المائة، وتبعه في ذلك أغلب البنوك المركزية، ومنها البنك المركزي السعودي، الذي وصل بالفائدة محليا إلى 5.75 في المائة.
تشير مراقبة الفترات الزمنية التي يكون معدل التضخم في الولايات المتحدة أعلى منه في المملكة، ويقترن طبعا بمعدلات فائدة في المملكة دائما تكون أعلى منها في الولايات المتحدة، إلى تشكل ضغوط أكبر على السيولة والنشاط الاقتصادي محليا، ومن حسن الحظ أنها لم تتجاوز تلك الحالات 31.3 في المائة من إجمالي الفترة، وتعد الفترة الراهنة التي بدأت من يوليو 2021 ولا تزال سارية حتى تاريخه إحدى تلك الفترات، إلا أنه للتأخر الخاطئ وغير محسوب العواقب من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، على مستوى سرعة اتخاذ التدابير اللازمة برفع معدل الفائدة منذ بدأ التضخم في الارتفاع بصورة لافتة مطلع الربع الثاني من 2021، ولم يبدأ باتخاذ تلك التدابير اللازمة إلا مع نهاية الربع الأول من العام الماضي، بعد أن تجاوز التضخم 8.0 في المائة. بناء عليه، لم تبدأ مشاهدة ضغوط المرحلة الراهنة إلا مع منتصف العام الماضي، تزامنا مع الارتفاع المطرد لمعدل الفائدة محليا نتيجة بدء ارتفاعها في الولايات المتحدة، على الرغم من أن معدل التضخم محليا لم يكن مرتفعا، كما شهدته الولايات المتحدة، ومع استمرار الأوضاع الراهنة محليا، التي تظهر وجود معدل فائدة مرتفع مقابل معدل تضخم متدن وضمن النطاق المقبول، وفي الولايات المتحدة يقف معدل الفائدة لديها بارتفاعه الراهن أمام معدل تضخم ما زال مرتفعا على الرغم من التراجعات التي سجلها طوال الأشهر الماضية، كل هذا يحمل في طياته قياسا على التجارب طوال العقود الماضية، ووفقا للمحددات والعوامل الاقتصادية والمالية والنقدية تشكل حزمة من الضغوط المحلية على القطاعات الإنتاجية خصوصا "القطاع الخاص"، مع الأخذ في الحسبان إضافة إلى ما تقدم، الأوضاع غير المواتية التي يشهدها الاقتصاد العالمي عموما، وعلى مستوى الاقتصادات المتقدمة والكبرى خصوصا، ما يشير إلى زيادة في الضغوط على اقتصادات دول العالم عموما، ومن ضمنه بالتأكيد الاقتصاد السعودي بما يمثله من ثقل دولي كبير، ولضخامة شراكاته التجارية الواسعة مع أغلب الاقتصادات المتقدمة والكبرى حول العالم.
إنما الأمر الإيجابي أمام كل ما تقدم ذكره، يتمثل في ارتفاع مناعة ومتانة اقتصادنا الوطني، نتيجة الإصلاحات الأكبر في تاريخه منذ منتصف 2016 ولا تزال مستمرة وستستمر، بمشيئة الله وتوفيقه، التي أسهمت بدرجة كبيرة في تقويته وصلابته وزيادة تنوعه إنتاجيا، يؤكد هذه الصورة فعليا والأهمية الكبيرة للإصلاحات الهيكلية التي تم إنجازها، والجدوى الهائلة التي تمكن الاقتصاد الوطني من إحرازها نتيجة لها، بالعودة إلى الوراء زمنيا خلال نحو عقد من الزمن، حينما انكمش القطاع الخاص نتيجة تداعيات الأزمة المالية العالمية 2008 بنسبة 9.5 في المائة خلال العام الثاني للأزمة، ومقارنته بما حدث للقطاع الخاص أثناء اصطدام العالم بالجائحة العالمية لكوفيد- 19، حيث لم يتجاوز انكماشه خلال 2020 نسبة 6.6 في المائة، على الرغم من أن الجائحة العالمية كوفيد- 19 عدت الأكبر منذ فترة الكساد الكبير في القرن الماضي. ولم يكتف القطاع الخاص بهذا، بل نجح خلال العامين التاليين بعد الجائحة العالمية في تحقيق معدل نمو حقيقي تجاوز سقف 15.3 في المائة، وتمكن أيضا من المساهمة باقتدار كبير في الجهود الواسعة لخفض معدل البطالة خلال الفترة نفسها، من أعلى مستوى وصلت إليه أثناء الجائحة عند معدل 15.4 في المائة خلال الربع الثاني 2020، إلى أن وصل بها إلى أدنى معدل تاريخي لها عند معدل 8 في المائة بنهاية 2022.
ختاما، توجد خلال الفترة الراهنة كثير من الضغوط الاقتصادية العالمية والإقليمية والمحلية، بل قد تتعاظم تلك التحديات خلال 2023 - 2024 وفقا لتوقعات المنظمات الدولية، نتيجة ما يشهده العالم المعاصر من جراء كثير من الاضطرابات المالية والاقتصادية في أغلب الدول، وتركزها بدرجة أكبر في الاقتصادات المتقدمة والكبرى على حد سواء، إضافة إلى الصراعات والحروب والنزاعات التجارية الحادة التي ما فتأت إذا هدأت فترة قصيرة، إلا عادت إلى الاشتعال بوتيرة أكبر من سابقاتها بين الأقطاب الاقتصادية الأكبر في العالم، إلا أن ما يتمتع به اقتصادنا الوطني من صلابة وتحولات وبروز كثير من فرصه الاستثمارية العملاقة، كفيل -بتوفيق الله- أن يدفع باقتصادنا الوطني إلى أن يكون في قمة المناطق المضيئة عالميا، في ظل هذه العتمة للاقتصاد العالمي بأكمله، وهو ما اتفقت عليه جميع المؤسسات والمنظمات الدولية في تقييماتها المتتالية للاقتصاد السعودي تحديدا، ولاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي عموما.

إنشرها