البيانات من الناس وإلى الناس .. منهج وحوكمة «2 من 4»
على خلاف دول أخرى تم فيها تطوير البنية التحتية الرقمية عن طريق شركات خاصة غالبا، وضعت الهند نموذجا فريدا للبنية التحتية الرقمية العامة، قام القطاع العام بتصميمه وإدارته، بينما قام القطاع الخاص بتنفيذه. منهج حوكمة البيانات المتبع في الهند، الذي لا يميل إلى التدخل المفرط من جانب الدولة، ولا يقوم حصريا على عدم التدخل، ويشجع الابتكار.
ومكن هذا المنهج الرقمي القطاع العام من الابتعاد عن مسؤولية التسليم من البداية إلى النهاية -على سبيل المثال-، في قطاعات الدفع، والتعليم، والصحة. وأدت الزيادة السريعة في التحول الرقمي في جميع أنحاء الهند، إلى زيادة تغلغل وتنسيق المنصات بين مختلف الخدمات الحكومية. والآن، في سياق الشراكات بين القطاعين العام والخاص، يركز القطاع العام على الإطار التنظيمي، بينما يدير القطاع الخاص واجهة المستهلك وتقديم الخدمات. وأدى هذا المنهج أيضا إلى تقليص فجوات الشمول المالي.
والبنية التحتية الرقمية العامة في الهند، التي أقيمت ضمن النظام التنظيمي، مكنت مواطنيها من النفاذ إلى الاقتصاد الرسمي من خلال هوية رقمية يمكن التحقق منها، والمشاركة في السوق الوطنية من خلال نظام للدفع السريع، وتحقيق مكاسب الرفاهية في التمويل والصحة والتجارة من خلال التمكين من الوصول إلى البيانات وتبادلها.
هوية يمكن التحقق منها: الهوية التي يمكن التحقق منها، أو الهوية التي تثبت "أنني أنا من أنا"، هي عنصر أساسي في أي اقتصاد ومستوى شموله المالي. وفي 2008، كان واحد فقط من كل ثمانية هنود لديه هوية يمكن التحقق منها. وفي 2009، أطلقت الهند نظاما للهوية التي يمكن التحقق منها، يعرف على نطاق واسع باسم نظام Aadhaar، كجزء من بنيتها التحتية الرقمية العامة التي وصلت في النهاية إلى أكثر من مليار شخص، بما في ذلك أولئك الذين لا يستطيعون القراءة أو الكتابة.
وأعطت هذه الهوية الرقمية دفعة للشمول المالي. ففي أقل من عشرة أعوام، ارتفعت نسبة البالغين الذين لديهم حساب مصرفي من 25 في المائة إلى أكثر من 80 في المائة. ونظرا إلى أن الشمول المالي يقترن بالتنمية الاقتصادية ونصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي، يشير أحد التقديرات التقريبية إلى أن الهند لو كانت قد اعتمدت فقط على عمليات النمو التقليدية، لاستغرق الأمر ما يقرب من 50 عاما لتحقيق الارتفاع نفسه في مستوى الشمول المالي.
نظام الدفع السريع: بالنسبة إلى المستهلكين، يعد نظام الدفع السريع -وهو جزء آخر من البنية التحتية الرقمية العامة- قناة آمنة وأكثر ملاءمة لتحويل الأموال وسداد الفواتير. وبالنسبة إلى الشركات، فإنه يوفر طريقة فاعلة لإدارة المبيعات والمخزون وخفض النفقات العامة. أما الحكومة فتحصل على قناة خالية من التسرب لسداد مدفوعات الرعاية الاجتماعية وغيرها للمواطنين، بما في ذلك الفئات المستهدفة التي يصعب الوصول إليها.
وتحد نظم الدفع الكفؤة من الحاجة إلى اقتصاد نقدي وتدعم بالتالي رفع النمو الاقتصادي. ونظام الدفع السريع في الهند، الذي يسمى واجهة المدفوعات الموحدة وتديره مؤسسة المدفوعات الوطنية غير الهادفة إلى الربح، يعطي مثالا على كيفية قيام الجهة التنظيمية "البنك المركزي مثلا"، والجهة الخاضعة للتنظيم "البنوك التجارية مثلا"، بالعمل معا في إدارة نظام للدفع كبنية تحتية رقمية عامة تستخدم على أساس طوعي، وتعمل على مدار الساعة. وواجهة المدفوعات الموحدة قابلة للتشغيل البيني، لأنها تسمح لمقدمي خدمات الدفع الإلكتروني، مثل PhonePe وPaytm وGoogle Pay، بالاتصال بخدمتها، مع تحمل البنوك التجارية المشاركة في النظام تكلفة تشغيل قناة المدفوعات... يتبع.