Author

إجراءات التمويل وتأثيرها في الشركات الصغيرة والمتوسطة

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية

التغير في معدل الفائدة لن يتوقف أثره في تكلفة التمويل بشكلها البسيط، بل هو إجراء سينعكس في شكل الاقتصاد والنشاط الاقتصادي، وهنا تأتي أهمية القراءة الجيدة للنتائج قبل التخطيط لأي خيارات للفرد أو القطاعات الاقتصادية والتجارية، بحسبان أن الإجراء الذي اتخذ من قبل الاحتياطي الفيدرالي يسعى إلى تحقيق هدف، وهو خفض مستويات التضخم إلى معدلات تصل إلى 2 في المائة، وهو رقم بعيد نسبيا عن المستويات الحالية رغم الانخفاض الملحوظ للتضخم خلال الفترة الماضية إلا أن الاحتياطي الفيدرالي لا يزال يرى أن النتائج غير كافية، ما قد يؤدي إلى رفع إضافي أو الاستمرار فترة طويلة بالإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة حتى تحقق الأهداف المتوقعة، ويرى الاحتياطي الفيدرالي أنه حتى لو أدى هذا الإجراء إلى زيادة نسبية في معدلات البطالة وطلبات الإعانة في المجتمع الأمريكي، فإنه سيبقي على معدلات الفائدة مرتفعة، وقد يتساءل البعض لماذا تبقى معدلات الفائدة مرتفعة بهذه الصورة رغم النتائج السلبية المرتبطة بالاقتصاد الأمريكي؟ والجواب كما أشار إليه رئيس الاحتياطي الفيدرالي أنه لا بد من اتخاذ هذا الإجراء لتخفيف تكلفة المعيشة على الأسر الأمريكية، أما الآثار الجانبية الخاصة من البطالة وغيرها فيمكن معالجتها بالإعانات بدلا من رفع تكلفة المعيشة على الجميع بصورة هائلة، كما أن إجراءات رفع الفائدة ستخفف من حدة الاقتراض لدى الأفراد، ما يعني استهلاكا أقل، ومن ثم تعود الأسعار نسبيا إلى معدلات أقل.
كما أنه نظرا إلى الأسباب الأخرى المحتملة فإن الدول الصناعية عموما قد تتضرر جراء التضخم لأن التضخم سيؤدي قطعا إلى الارتفاع في تكلفة الطاقة والمواد الخام والمعادن، وهذا سيؤثر في الظروف المعيشية لدى تلك الدول دون الحصول فعليا على منافع اقتصادية توازي هذا الارتفاع، كما أن استمرار معدلات التضخم في ظل معدلات فائدة غير مشجعة على الادخار وإيداع الأموال في البنوك سيؤثر في ثقة الناس بالدولار والعملات عموما والعمل على استبداله بالمعادن أو الأصول، ما يرفع قيمة الأصول والسلع إلى مستويات عالية جدا تعيق الأنشطة الاقتصادية وتؤثر في العملات.
ولذلك اتخذت إجراءات صارمة جدا للحد من التضخم وأثره في الاقتصاد.
في المقابل، هناك تحديات تواجه الأنشطة الاقتصادية، التي يمكن أن تنعكس آثارها على مجموعة من المشاريع، ومن هنا تأتي أهمية دراسة الأثر الذي يمكن أن تحثه إجراءات رفع الفائدة لاتخاذ القرار الصحيح بدلا من التعرض بصورة أكبر لمخاطر قد تؤثر في بعض المشاريع حتى إن كانت ناجحة، ولذلك نلاحظ من خلال إعلانات الشركات المالية وجود تكاليف إضافية تتعلق بتكلفة التمويل كان لها أثر في نتائج الشركات رغم تمكن تلك الشركات من تحقيق الأرباح، ومن هنا تأتي أهمية دراسة هذا الأمر قبل اتخاذ قرارات تتطلب الحصول على التمويل، وهل الأفضل للنشاط التجاري الحصول على التمويل والتوسع، أم وضع السيولة في حسابات منخفضة المخاطر كالتي تستثمر في عقود المرابحات مؤقتا إلى أن يكون الوقت مناسبا للبدء بنشاط جديد أو التوسع في نشاط قائم.
أحد هذه التحديات التي يمكن أن تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة هو تشديد المؤسسات المصرفية في التمويل، حيث جاء في تقرير لصحيفة "الاقتصادية" أن البنوك الأمريكية بدأت في التشديد على طلبات التمويل بسبب الأزمة التي تسببت في انهيار بعض المصارف، ورغم متانة الاقتصاد السعودي والمركز الممتاز للبنوك السعودية الذي بدا واضحا من خلال نتائج الربع الأول لعام 2023، إلا أن احتمالات التشديد قائمة بسبب ارتفاع تكلفة التمويل، ما قد يزيد من تعثر بعض الشركات في السداد خصوصا الأصغر والأحدث، التي ليس لها تاريخ ائتماني لفترة كافية، ما يعني ارتفاع تكلفة التمويل عليها واللجوء إلى خيارات أخرى أكثر تكلفة للحصول على التمويل، ولذلك من المهم دراسة الأمر جيدا قبل اتخاذ قرار للحصول على التمويل.
الخلاصة: إن رفع "الفيدرالي" المتكرر لأسعار الفائدة زاد من قلق جهات التمويل خصوصا البنوك، ولذلك بدأت تتشدد في تقديم التمويل وتزيد في تكلفته فيما لو قررت الموافقة، وهذا يمثل تحديا على الشركات الصغيرة والمتوسطة فيما لو قررت التوسع أو البدء في نشاط جديد، ولذلك أصبحت تكلفة التمويل تحديا تجب دراسته بصورة كافية قبل اتخاذ أي قرار يتطلب الحصول على التمويل.

إنشرها