المواجهة الموسمية .. اقتصادية سياسية

شهدت الآونة الأخيرة الحديث عن أزمة سقف الدين الأمريكي التي تعد إحدى أبرز المشكلات التي تواجه الاقتصاد الأمريكي، ويحذر معظم الخبراء الاقتصاديين من بلوغ تلك الأزمة أوجها لتمتد وتتوسع لتشكل مخاطر وأزمات مالية عالمية. ويتخوف البعض من أن تنفجر هذه القنبلة الموقوتة في أي لحظة وتسبب ردود فعل سلبية.
وعلى هذا الصعيد، فإن المواجهة السياسية بين إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الديمقراطية، والكتلة الجمهورية حول رفع سقف الدين ليست جديدة، وقد حدثت في الماضي، بسبب عدم قدرة الإدارات على تمرير مشروعها، نتيجة التعطيل عبر التصويت في القنوات التشريعية اللازمة.
وهذه المواجهة "الموسمية" ستبقى موجودة طالما أن الطرفين لا يملكان القدرة على حسمها بمفرديهما. ولا شك في أن الخلافات المشار إليها، باتت تلقي بظلالها على الحراك الاقتصادي العام في الولايات المتحدة، ليس من زاوية إبقاء المؤسسات الفيدرالية مفتوحة فقط، بل من جهة الالتزام المالي للبلاد حيال المستثمرين في سنداتها. وهذه النقطة الأخيرة تؤرق بالفعل الساحة المالية المحلية، إذا ما ظل الخلاف بشأن رفع سقف الدين متواصلا، حتى نهاية الشهر الجاري في بداية الشهر المقبل، على إدارة بايدن أن تعلن ميزانيتها العامة، وإلا سيحدث ما لا يمكن تصوره.
شروط الجمهوريين لتمرير مشروع قرار رفع سقف الدين واضحة، لكنها ليست واقعية بمعايير الديمقراطيين. فنواب الحزب الجمهوري في الكونجرس، يريدون أن يحصلوا من البيت الأبيض على برنامج لخفض الإنفاق العام. وهذا أمر لا يمكن لبايدن - الذي يعتقد أنه هو من نقل الاقتصاد الأمريكي في الظروف الصعبة إلى مرحلة لا بأس بها - أن يقبل به. كما أن خفض الإنفاق سيؤدي حتما إلى تراجع مؤكد في شعبية الرئيس الأمريكي الذي أعلن رسميا أنه سيترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة سعيا وراء إعادة انتخابه. وهنا تكمن المعضلة. فقد بلغ سقف الدين في الولايات المتحدة 31.4 تريليون دولار، تعود 33 في المائة تقريبا من هذه الديون المستحقة إلى مستثمرين أجانب. وفي العام الماضي وصل حجم الدين الأمريكي إلى 129 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، في حين يبلغ متوسط حجم الدين منذ 1944 حتى العام الماضي 65.2 في المائة.
الديون الحكومية موجودة وتتفاوت بين عام وآخر. اليوم الأمر يتسم بالخطورة إلى درجة أن جانيت يلين وزيرة الخزانة الأمريكية، حذرت من فوضى مالية في حال استمر الخلاف بين البيت الأبيض والكونجرس، ولم يتم التوصل لحل وسط بين الجهتين قبل نهاية الشهر الجاري.
لا أحد يريد أن يتصور سيناريو يستند إلى فشل الرئيس بايدن في تمرير مشروع الميزانية العامة. ولو حدث ذلك، فإن الولايات المتحدة ستتخلف عن السداد لأول مرة منذ قيامها، وهذا أمر جلل في المعيار الاقتصادي لأي دولة في العالم، خصوصا إذا أخذنا في الحسبان، حجم الديون التي تعود إلى أجانب في البلاد. وبصرف النظر عن تمسك البيت الأبيض بسقف الدين الأكبر على الإطلاق، فإن الرئيس لن يتراجع بالفعل عن مشروعه هذا، ويعد الأمر مستعصيا كما وصفت وزيرة الخزانة الحالة الراهنة بعبارة نارية.
لكن في النهاية ليس هناك حل ناجع سوى التفاهم بين الطرفين اللذين يسعيان إلى تحقيق نقاط انتخابية بصرف النظر عن الطريقة. فالخيارات المتاحة لا يمكن أن تشكل حلولا ما لهذه المسألة الحساسة. ولا شيء حاضر على الساحة سوى الحوار من أجل التوصل إلى تسوية. فاللعب في هذا المضمار له مخاطر كثيرة، ومهما كان تعطيل الجمهوريين لسقف الدين الجديد محقا، إلا أنهم سيتسببون فيما لا يمكنه تصوره على الصعيد المالي لأكبر اقتصاد في العالم.
إنها عملية لا تحل سوى بالتفاهمات، وطرح الحلول الوسط. حدث ذلك في الماضي، وسارت الأمور في النهاية بصورة انسيابية دون وقوع أضرار على سمعة أمريكا المالية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي