سياسة الرياض .. الإغاثة والسلام

بينما تتحرك المملكة العربية السعودية في كل الاتجاهات، لوقف تدهور الأوضاع في السودان، والوصول إلى هدنة مستدامة بين الطرفين المتنازعين، تطلق الرياض كعادتها عملية إنسانية واسعة، على صعيد تقديم المساعدات اللازمة لشعب هذا البلد للتخفيف عن المعاناة التي ألمت به، سواء من جانب الحكومة أو جهة الشعب السعودي، الذي باشر حملة جمع تبرعات لأشقائه في السودان، تضاف إلى الحملات الإنسانية الأخوية التي يقوم بها السعوديون كلما دعت الحاجة.
فالمسألة في المملكة لا تتعلق بحل سياسي لأزمة فحسب، بل تشمل أيضا احتواء ما أمكن من الأضرار التي تعرض لها السودانيون في الأسبوعين الماضيين، بما في ذلك موجات النزوح واللجوء، ونقص الغذاء والدواء، وتعطل المستشفيات التي خرجت نسبة كبيرة منها عن الخدمة، ما تسبب في انهيار القطاع الصحي وانقطاع الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه. أي: ببساطة، تخفيف هذه الأضرار، وتوفير الحماية اللازمة للمحتاجين.
توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز والأمير محمد بن سلمان ولي العهد، بتقديم مساعدات إنسانية عاجلة ومتنوعة بقية 100 مليون دولار، إضافة إلى تنظيم الحملة الشعبية للتبرعات عبر منصة "ساهم"، ليس إلا امتدادا طبيعيا للدور الإنساني الراسخ الذي تقوم به المملكة على مدى عقود، ويستهدف كل مناطق العالم. فهذا التوجه الذي يعد محورا من محاور الاستراتيجية السعودية الدائمة، لا يفرق بين محتاج وآخر، ولا منطقة وأخرى.
فالوضع الإنساني واحتياجاته هو الذي يحدد طريق المساعدات والمعونات والنشاطات الإنسانية للسعودية عموما، بصرف النظر عن أي حسابات. فالإنسان أولا، وبعد ذلك كل شيء قابل للحوار والمناقشات والتفاوض. من هنا، يأتي التحرك السعودي نحو السودان الذي يعاني مصاعب جمة حقا، ليس بعد المواجهات المرفوضة الحالية على مسرح الأحداث، بل قبلها أيضا، وكانت السعودية دائما عونا له في كل الظروف والمراحل. ولا ننسى ما قامت به السعودية من جهود أشاد بها المجتمع الدولي بإجلاء رعايا أكثر 104 دول من السودان خلال الاشتباكات التي حدثت أخيرا في الخرطوم.
ولأن الأمر كذلك، فإن الصندوق السعودي للتنمية يمثل أعلى الجهات المانحة للسودان، من خلال مشاريع وبرامج إنمائية مختلفة، وغير ذلك من مخططات تم تنفيذها لخدمة الشعب السوداني، برؤى مستدامة، ومفهوم استراتيجي. فقد بلغ إجمالي ما قدمته الرياض للسودان الشقيق 1.7 مليار دولار، دعما لـ162 مشروعا في مختلف القطاعات، الصحية والتعليم والأمن الغذائي وغيرها من قطاعات تمثل محاور رئيسة للفرد السوداني ضمن نطاق بلاده. كل هذا يجري، والمسار السعودي الذي يبقى مفتوحا ويلقى دعما لا يتوقف من القيادة العليا في المملكة، والمتمثل في التوصل إلى حل سريع لهذه الأزمة في هذا البلد الشقيق، وإبقائها ضمن نطاق محدود، ومنع تأثيراتها المباشرة في السودانيين والمنطقة عموما. فالسلام هو نقطة الأساس بالمفهوم السياسي للسعودية، وتحقيق يدخل ضمن نطاق الواجب الأخلاقي سواء لأزمة مثل تلك الجارية في السودان، أو غيرها.
هذا المفهوم السامي لعلاج الأزمات، دعم بقوة الجهود التي تبذلها الرياض حاليا لإرساء السلام في السودان وعودة الأمور إلى ما كانت عليه، والبدء بتنفيذ مخططات تخدم الشعب السوداني كله بكل أطيافه. فقد استضافت محادثات جدة بين الفريقين المتصارعين على الساحة السودانية، ولن تتوقف عن جهودها السلمية هذه، وإدخال أطراف مؤثرة من أجل تحقيق الهدف الأسمى دائما، وهو شعور الأطراف المتنازعة بالمسؤولية تجاه الشعب السوداني، وحفظ سلامته وأمنه واستقراره وازدهاره.
ما تقوم به المملكة، ليس جديدا في سياستها في التعاطي مع كل الأزمات المشابهة في المنطقة وخارجها. فهي تنطلق أولا من مفهومها الراسخ لحماية الإنسان وسط نزاعات في الأغلب لا دخل مباشر له فيها، وصون أمنه وتوفير احتياجاته، والحد من لجوئه أو نزوحه. وفي المسار الآخر، العمل بقوة وبكل ما تملك لإرساء السلام المستدام الذي يقوم على الحلول الوسط، والمعالجات المناسبة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي