الجفاف والتجارة والحلول السريعة
يقع على عاتق الشحن البحري الدولي نقل ما يزيد على 80 في المائة من مجمل التجارة العالمية في كل أنحاء العالم. فالشحن البحري هو أكفأ السبل وأقلها تكلفة لنقل البضائع على الصعيد العالمي، لكونه يتيح خدمات يعتمد عليها ومنخفضة التكلفة للنقل بين الدول، ما ييسر التجارة ويساعد على نشر الرخاء بين الأمم والشعوب.
والعالم يعتمد على قطاع الشحن البحري الدولي المأمون والكفء، الذي يعد عنصرا أساسيا لأي برنامج يهدف إلى النمو الاقتصادي الأخضر والمستدام. كما يعتمد على ممرات دولية بحرية مهمة في معظم قارات العالم وإذا توقفت هذه الممرات بأي فعل طبيعي أو بيئي أو مناخي، فإنها بكل تأكيد ستؤثر في حركة الملاحة وتعطيلها وتلقي بظلالها السلبية على حركة تجارتها ونمو اقتصاداتها.
وتعزيز الشحن المستدام والتنمية المستدامة للملاحة البحرية هو من أولويات جميع الدول للأعوام المقبلة. ومن الضروريات أيضا الكفاءة في استخدام الطاقة، والتكنولوجيات الجديدة والابتكارات، والتثقيف والتدريب المتصلان بالملاحة البحرية، والأمن البحري، وإدارة حركة الملاحة البحرية وتنمية الهيكلة الأساسية لها من حيث تطوير معايير دولية لهذه القضايا بما يبرز التزام المنظمة البحرية الدولية بتقديم إطار عمل مؤسسي ضروري لنظام النقل البحري العالمي المستدام والأخضر.
ويبدو واضحا أن آثار التغير البيئي تنال من كل شيء تقريبا، بما في ذلك بالطبع الحركة التجارية على المستوى العالمي. وهذه التغيرات بدأت تؤثر بصورة سلبية في هذا القطاع أو ذاك. وفي آخر التطورات بهذا الخصوص، يعتقد المختصون، أن الجفاف يهدد نحو 6 في المائة من حركة التجارة العالمية، لماذا؟ لأن قناة بنما التي تستوعب هذا المستوى من التجارة، تواجه مصاعب متزايدة في تشغيل بوابات التحكم بمرور المياه والسفن في آن معا. وهذه المشكلة ليست جديدة تماما في هذه القناة التي تربط المحيطين الأطلسي والهندي، لكنها تفاقمت في الآونة الأخيرة، ما أثر سلبا في انسياب حركة مرور الناقلات عبرها. وهذه القناة التي فتحت مطلع القرن الـ20، معرضة "بحسب الخبراء" إلى التوقف حقا، إذا لم تظهر حلول سريعة للمشكلات الناجمة عن الجفاف الذي ضرب جزءا من منطقتها الجغرافية.
وفي الفترة الماضية شهد الحراك التجاري العالمي ارتباكا بسبب قناة بنما، لأن القائمين عليها اضطروا إلى تقييد هذا الحراك عبرها بسبب الجفاف، وانخفاض منسوب المياه في البحيرات المساندة لها. مع العلم أن أغلبية الحركة التجارية في هذا الممر البحري الدولي الاستراتيجي المهم، تأتي من الولايات المتحدة واليابان والصين. أي أن أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم تعتمد في جزء من حراكها على هذه القناة الحيوية. وتتأثر حتى أسعار السلع بهذا التقييد، لأن عمليات التسليم تتعرض للتأخير، كما أنها ترفع تكاليف النقل بصورة عامة. ومن هنا، تظهر الأسئلة الخاصة بشكل أداء قناة بنما في الأعوام المقبلة، إذا لم يتم إيجاد حلول سريعة لانخفاض بحيرة آلاخويلا وجاتون التي تزود بوابة التحكم بالمياه اللازمة.
واللافت في هذا المسألة، أن الجفاف أثر سلبا في حركة الصيد في البحيرة المشار إليها، مع تراجع منتجات الأسماك والأحياء فيها. وإذا كان الصيد لا يمثل مخاطر كبيرة، فإن تعطل أو تأخر حركة النقل عبر القناة، هو الذي يربك المشهد العام. ويعود السبب الأول لتراجع منسوب البحيرة المعززة للقناة، إلى قلة هطول الأمطار، ما يرفع من الضغوط أكثر، لتوفير المياه اللازمة للتحكم ببوابات المرور. فالسفن الضخمة التي يزيد طول غاطسها عن 15 مترا، ليس بإمكانها المرور، وهناك مخاطر تهدد حتى الناقلات الأقل حجما في المستقبل. ويسعى القائمون على قناة بنما إلى الوصول لحلول سريعة لهذه الأزمة التي يبدو أنها ستتواصل في ظل مؤشرات على استمرار حالة الجفاف في هذه المنطقة خصوصا.
وتعد قناة بنما ممرا مائيا عالي الأهمية، فقد قلصت رحلة الناقلات عبر الأمريكيتين من 21 ألف كيلومتر، إلى ثمانية آلاف كيلو متر، وهذا ما وفر مزيدا من السرعة لحركة التجارة والنقل عموما، وخفض تكاليفها. ويمر سنويا عبر هذه القناة أكثر من 14 ألف سفينة، وهي "مرة أخرى" في غالبيتها أمريكية وصينية ويابانية، في حين يمر ما يزيد على 70 ألف حاوية من القناة أسبوعيا.
ولذلك، فإن أي عامل سلبي تتعرض له يؤثر ليس فقط في تجارة الدول الثلاث الكبرى، بل في الحركة التجارية العالمية. وتكفي الإشارة هنا إلى أن القناة تربط بين 160 دولة و1700 ميناء حول العالم. ليس هناك حل واضح لأزمة الجفاف في منطقة حيوية كهذه، سوى توفير المياه الكافية للبحيرة المساندة للقناة، وهذا أمر ليس سهلا، في هذه المرحلة، ما سيدفع القائمين على هذا الممر البحري، إلى مزيد من التقييد في النشاط التجاري، حتى تعود القناة إلى حالتها السابقة.