المسوقون الفطريون
نجح المسوقون الفطريون. نعم، أود أو أستحسن أن أسميهم "الفطريون"، فهم لم يدرسوا التسويق، ولا يعرفون المزيج التسويقي، ولا استراتيجية بناء الوعي بالعلامة التجارية، ولا نماذج القوى الست، ولا تحليل SWAT، إنهم ربما يعرفون قليلا عن تسلسل "ماسلو" للاحتياجات، وهي معرفة أيضا فطرية، فهم لم يقرأوا عنه شيئا.
أتحدث عمن نجحوا في بيع منتجات جديدة ترتبط بشهر رمضان، بدأوا منذ أعوام قليلة في التركيز عليها، يبيعون مجموعة من الفوانيس وأشكال الزينة على شكل هلال ونجوم، ملونة ومضاءة، ومعها أقمشة حمراء وخضراء، أي أنهم يبيعون "ديكورات" رمضان على الناس، وهي ديكورات في الأغلب ما ترتبط بالمائدة وما حولها أو جلسة الشاي والقهوة التي تعقب طعام الإفطار.
أنا لا أنتقدهم بالعكس تماما، أنا معجب بنموذج عملهم، لديهم Business Model فريد من نوعه يرتكز أساسا على الدأب والمثابرة في عرض منتجاتهم، يعرضونها بكميات كبيرة، وبأسعار زهيدة، وفي الأغلب ما يتم ذلك في محال "أبو ريالين"، أو كل شيء بخمسة ريالات.
إذا كان أبراهام ماسلو قد بنى هرمه المتسلسل للاحتياجات بعد بحث وقراءة ليحدد -من وجهة نظره- الاحتياجات والرغبات البشرية الأساسية، ومن ثم أصبح هذا التسلسل الهرمي المرتكز على علم النفس المساعد الأساس للمسوقين للتسويق لمجموعات معينة بناء على احتياجاتهم المحددة، فإن الإخوة والأصدقاء في تلك المتاجر الضخمة المليئة بكل البضائع نجحوا في التسويق لمجموعات أكبر من الناس سلعا كثيرة ليسوا في حاجة إليها، وليست ضمن ثقافتهم أو ثقافة موائدهم أو منازلهم أو عائلاتهم، لكنهم في النهاية نجحوا.
مجموعات زينة من أسوأ أنواع البلاستيك، في داخلها توصيلات كهربائية رديئة، تعمل في الأيام الأولى قبل أن تتلف بوهج مبهج للأطفال وبعض الكبار، وتصبح عاما بعد عام جزءا من قائمة مشتريات رمضان من هذه المتاجر.
كان الصديق العزيز الصحافي محمد أبو عمير -رحمه الله رحمة واسعة- يقول لنا أيام العزوبية، إن مطاعم البيتزا والبرجر ليست هي المطاعم السريعة، لأنها تستغرق بين 15 و20 دقيقة لتعطيك طعامك، وكان يعلق ضاحكا أن مطاعم البخاري والفول هي المطاعم السريعة، لأن صحنك أو طلبك قد يسبقك أحيانا إلى المائدة قبل أن تغسل يديك!
يبدو لي أن هذه المتاجر التي تنخر في ميزانيات الأسر بدبابيس صغيرة غير ملحوظة هي "المتاجر الذكية"، تبيعك كل شيء دون أدنى مسؤولية أو خدمات ما بعد البيع أو ضمانات، والأهم أنها تبيع بالتسويق الفطري ودون أي حملات تسويقية.