default Author

إفريقيا والاتجاه نحو الرقمنة «2 من 3»

|
بشأن فرصة التحول إلى الرقمنة هنا تكمن المفارقة، فرغم كل ما سببته جائحة كوفيد - 19 من دمار اقتصادي واجتماعي، فهي أيضا تتيح فرصة أمام الدول الإفريقية، لكي تبتكر وتتحول إلى الرقمنة. وسيتعين على الدول الإفريقية إعادة بناء اقتصاداتها، وينبغي لها ألا تقتصر على إصلاحها، وإنما ينبغي أن تعيد تشكيلها، بينما الرقمنة تقود المسيرة.
حتى الوقت الراهن تبدو المجتمعات المدنية أكثر استعدادا من صناع السياسات لتبني التكنولوجيا الرقمية. فقد نمت صناعة التكنولوجيا الرقمية في إفريقيا دون مساعدة من حكوماتها من خلال الحاضنات والشركات المبتدئة والمراكز التكنولوجية ومراكز البيانات. وتنتشر أنشطة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عبر القارة، بينما الشباب الأفارقة يعولون على التكنولوجيا الرقمية في مواجهة التحديات التي يفرضها كوفيد - 19. فعلى سبيل المثال، ابتكر أحد مراكز تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في كينيا وهو "قاب لاب" تطبيقا يسمى "مسافاري"، لتتبع الأشخاص ويمكنه أن يتعقب انتشار الإصابة بالعدوى. وابتكر المغرب تطبيقا مشابها هو "وقايتنا". وفي رواندا، تبرهن الحكومة على ما يمكن للسياسات المستنيرة أن تحققه، فقد استثمر هذا البلد بكثافة في البنية التحتية الرقمية ـ فنسبة تغطية خدمة الإنترنت عريض النطاق تصل إلى 90 في المائة، ويمتلك 75 في المائة من السكان هواتف خلوية. وفي بدايات الجائحة استغلت رواندا تلك البراعة التكنولوجية الفائقة في تطوير خرائط رقمية آنية التتبع لانتشار فيروس كوفيد - 19، ووسعت نطاق التطبيب من بعد للحد من زيارة العيادات، وطورت روبوتات المحادثة لكي تطلع السكان على آخر تطورات المرض.
وهذه محاولات واعدة، لكن الرقمنة ليست واسعة الانتشار في إفريقيا. وتمثل رواندا حالة استثنائية. فلا تكاد نسبة سكان إفريقيا الذين يستخدمون الإنترنت تتجاوز 28 في المائة، ما يشكل فجوة رقمية تحول دون استفادة القارة بشكل كامل من قدرة التكنولوجيا الرقمية على تخفيف بعض من أسوأ آثار الجائحة.
هذا البطء في انتشار تكنولوجيا الإنترنت يضع مصاعب أمام القارة في تخطي العقبات الماثلة أمام التنمية المستدامة، ومن أجل توليد النمو الذي يحقق التحول، لا يمكن ترك الرقمنة في أيدي المجتمع المدني والقطاع الخاص بصفة أساسية. فالفجوة الاجتماعية الاقتصادية في إفريقيا تغذي الفجوة الرقمية، والعكس صحيح. ويتعين على صناع السياسات تكثيف العمل للتحول إلى الرقمنة من أجل إطلاق العنان للتحول الهيكلي.
عند تقييم الفجوة الرقمية من الأهمية بمكان أن نتذكر أن المسألة تتجاوز مجرد الحصول على خدمة الإنترنت. فالعامل المهم كذلك هو مدى المنفعة التي تعود على مستخدم الإنترنت. وينبغي ألا يقتصر الهدف من الرقمنة على زيادة استهلاكها، وإنما ينبغي لها أن تعزز صلابة المجتمعات المدنية، ما يتطلب إطارا تنظيميا واضحا وسكانا متعلمين... يتبع.
إنشرها