Author

التطلعات الطموحة إلى القطاع الخاص بزيادة التوطين

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

تقف سوق العمل المحلية على توزيع للعمالة المواطنة بـ58 في المائة في القطاع الخاص، مقابل 42 في المائة في القطاع الحكومي، هذا ما أظهره أحدث بيانات السوق حتى نهاية 2022، وبالعودة إلى الوراء لعقد من الزمن (2012)، كانت نسب التوزيع تشير إلى وجود 49.6 في المائة في القطاع الخاص، مقابل 50.4 في المائة في القطاع الحكومي، وتزداد الفوارق النسبية بالعودة إلى (2002)، التي بينت وجود 24.3 في المائة في القطاع الخاص، مقابل 75.7 في المائة في القطاع الحكومي!
تضمنت رحلة سوق العمل المحلية خلال العقدين الماضيين، تسجيل متوسط نمو سنوي لوظائف العمالة المواطنة خلال 2002 - 2012 في القطاع الخاص 16.1 في المائة، وفي القطاع الحكومي 3.8 في المائة، بينما بلغ متوسط النمو السنوي للفترة 2012 - 2022 في القطاع الخاص 6.7 في المائة، وفي القطاع الحكومي 3.1 في المائة. انطلقت بحجم وظائف العمالة المواطنة في القطاع الخاص من 256 ألف عامل (2002)، إلى أكثر من 1.1 مليون عامل (2012)، إلى أن استقر عند مستوى 2.2 مليون عامل بنهاية (2022)، أما في القطاع الحكومي فقد انطلقت من أكثر من 796.7 ألف عامل (2002)، إلى نحو 1.2 مليون عامل (2012)، وصولا إلى نحو 1.6 مليون عامل.
كما أن الاعتماد الأكبر خلال العقد الماضي في التوظيف كان على القطاع الخاص، فقد ازداد بشكل مضاعف أو حتى أكثر من ذلك بدءا من انطلاق مبادرات وبرامج رؤية المملكة 2030، وسيظل بالوتيرة نفسها وأكثر خلال الأعوام المقبلة! ومن منطلق التركيز الاستراتيجي لرؤية 2030 على تحفيز ودعم القطاع الخاص لرفع إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي إلى أعلى من 60 في المائة بحلول نهاية الفترة، سيكون من أهم الأولويات التنموية الملقاة على كاهل القطاع الخاص طوال تلك الفترة، الاعتماد بدرجة أكبر على الكوادر والموارد البشرية المواطنة، الذي يتجاوز بطموحاته تجاه القطاع الخاص متوسط النمو السنوي الذي حققه خلال العقد الماضي البالغ 6.7 في المائة، وهو ما ذهبت إليه الاستراتيجية الوطنية للصناعة باستهدافها متوسط نمو سنوي حتى 2030 في نشاط الصناعة لا يقل عن 11.6 في المائة، ثم يتباطأ إلى 9.6 في المائة خلال 2030 - 2035، بصورة تستهدف القفز بحجم العمالة المواطنة في النشاط من 864.6 ألف عامل (2022)، إلى نحو 2.1 مليون عامل بحلول 2030، ثم إلى نحو 3.3 مليون عامل بحلول 2035.
وفي حال اقترب متوسط النمو السنوي لكل من نشاطي الزراعة والخدمات من المعدلات المستهدفة أعلاه لنشاط الصناعة، فسيكون الإجمالي الممكن تحقيقه بالتزامن مع التحفيز غير المسبوق للقطاع الخاص، أن يصل إجمالي العمالة المواطنة في القطاع الخاص إلى نحو 4.2 مليون عامل بحلول نهاية 2030، ثم الوصول بها إلى نحو 6.3 مليون عامل بحلول نهاية 2035. إنها المعدلات التي تتوافق بدرجة كبيرة مع التدفقات الاستثمارية المستهدف ضخها في القطاع الخاص طوال الأعوام المقبلة، بمشيئة الله، سواء من خلال القطاع الخاص نفسه، أو بالشراكة مع صندوق الاستثمارات العامة (برنامج شريك)، أو بالاعتماد على التدفقات المستهدفة للاستثمار الأجنبي خلال الفترة نفسها، وتعني أيضا تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 بالاعتماد الأكبر على الموارد البشرية المواطنة، مقابل تخفيف الاعتماد على خدمات العمالة الوافدة، التي ستسهم مجتمعة في تحسين ورفع مستويات دخل المواطنين والمواطنات، إضافة إلى خفض معدل البطالة بين صفوفهم عموما، وخفضها بدرجة أكثر تركيزا بالنسبة إلى الفئات الشابة من المجتمع، وفتح مزيد من فرص العمل أمام المرأة السعودية، ورفع إسهامها في سوق العمل على الرغم من النجاح القياسي الذي تحقق في هذا المجال حتى نهاية 2022 بحمد الله.
سيكون على أرباب القطاع الخاص مقابل تدفقات مرتقبة بتريليونات الريالات خلال العقد ونصف المقبل، تحمل المسؤوليات التنموية المهمة بتوفير وإيجاد فرص عمل لا تقل عن 4.2 مليون فرصة عمل جديدة أمام الموارد البشرية المواطنة، وهي الركيزة الأهم في طريق الطموحات الكبيرة المنتظرة للنمو بالقطاع الخاص، وزيادة إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي، التي سيترتب على تحققها عاما بعد عام كثير من المحفزات للقطاع الخاص أولا قبل غيره من قطاعات الاقتصاد الوطني، فمع ارتفاع معدلات التوظيف/التوطين سترتفع قدرات الادخار والاستثمار والاستهلاك للمجتمع من المواطنين، وجميعها ستصب في النهاية في أوعية القطاع الخاص بالدرجة الأولى، وسيكون هو أول المستفيدين من تنامي تلك المجالات الثلاث الرئيسة (الادخار، الاستثمار، الاستهلاك)، وهو ما يفوق كثيرا بمزاياه العديدة مجرد الاعتماد على خدمات العمالة الوافدة، التي تقصر عوائدها قصيرة ومتوسط الأجل بالنسبة إلى أرباب القطاع الخاص، عن مجاراة تلك المزايا المجدية والأكثر جاذبية في الآجال المتوسطة والطويلة بالاعتماد الأكبر على العمالة المواطنة.
يتمتع اقتصادنا الوطني، بحمدالله، بكثير من المزايا وفرص النمو والازدهار أكثر من غيره من الاقتصادات حول العالم، وتزداد الصورة وضوحا خلال الفترة الراهنة التي يشهد خلالها الاقتصاد العالمي تقلبات أكثر حدة مما سبق خلال العقود الثلاثة الماضية، بل تزداد أهمية هذا الجانب في ضوء ارتفاع المخاطر الخارجية لدى كثير من الاقتصادات والأسواق، التي تتجلى من خلالها الجاذبية المتنامية للاقتصاد الوطني أمام الاستثمارات الأجنبية، نظير ما تتمتع به بلادنا، بفضل من الله، من استقرار وأمن عاليين، يشهد العالم المعاصر تآكل أغلب عراهما في كثير من الدول والاقتصادات الأخرى، وحينما تصمم القرارات الاستراتيجية من قبل أرباب القطاع الخاص في ضوء هذا الإطار العام والشامل، فإنه سيعزز بدرجة كبيرة من قناعتهم بالاعتماد الأكبر على الموارد البشرية المواطنة، وأن عوائده -وفق هذه النظرة الشاملة- تتجاوز كثيرا أي اعتبارات محدودة الأهداف، أو قصيرة الأجل، وهو بكل تأكيد ما يأخذونه في صلب تلك القرارات الاستراتيجية إزاء الحراك الاقتصادي المحلي العملاق، ويؤمل فقط أن ينعكس سريعا وتتم مشاهدته بصورة ملموسة على أرض الواقع، وعلى ارتفاع معدلات التوطين ونسب إسهام المواطنين في سوق العمل المحلية بالقطاع الخاص.

إنشرها