الإجبار على التحضر

في كل مناسبات الفرح يخرج كثيرون إلى الشوارع بسياراتهم، يحتفون جماعيا بيوم الوطن أو ذكرى تأسيسه، أو بانتصار منتخبنا الوطني، وغيرها من المناسبات السعيدة أدامها الله علينا.
في معظم المدن تحدث مشكلة مرورية لأن الناس يتوجهون إلى شوارع معينة تعارفوا على التجمع فيها، وفي معظم الأحيان نجد أن المرور يلجأ إلى إقفال المداخل والمخارج في مناطق معينة، ما يسبب إرباكا أكثر وازدحاما أكثر في النقاط، التي يجبرهم عليها، وهو حل يبدو غير عملي في هذه الظروف المؤقتة.
ومع العتب الموجه للمرور وأفراده لا بد من الاعتراف بأن كثيرين في حاجة إلى استخدام الطريق والمركبات بشكل أكثر تحضرا، ينعكس على الوضع المروري الذي يزداد صعوبة مع الوقت حتى في غير أوقات المناسبات التي تحتاج إلى حلول احتفالية أخرى غير الشوارع.

الازدحام المروري أوجد من بعضنا رموز تخلف ومخالفة للأنظمة تسير على الطريق تؤذي غيرها، وتعطي انطباعا أن التمدن والتحضر الذي يعيشه البعض صوري، يتلخص في الأسمنت والزجاج، ولبس الماركات، واستخدام الأجهزة الذكية والتطبيقات، بينما في دواخلهم هناك نزعة إلى مخالفة النظام والانفلات، واللامبالاة بحياتهم وحياة الآخرين.

مصطلح الحضارة كما قرأت له معنيان اثنان أحدهما نظري يتوجه إلى القيم والمبادئ والمعتقدات والأفكار، التي تحدد نمط تلك الحضارة، وتصبح هذه القيم ميزتها الأساسية، وثانيهما معنى عملي، ويقصد به أسلوب الحياة وممارستها، ولا شك أن الشوارع التي نقضي فيها جزءا كبيرا من يومنا هي صورة لنمط الحياة وأخلاق الناس.

نجح المرور في مرحلة ما على جعل وضع حزام الأمان إجباريا، ويبدو لي أنه يحتاج عبر المخالفات المرورية المغلظة إلى ترسيخ مبادئ القيادة والسلامة الأخرى لتتحول مع الوقت إلى سلوك يومي اعتيادي، وكأن الأمر في شأن المرور سيكون إجبارا على التحضر. قرأت مرة أن كلمة Traffic الإنجليزية التي تستخدم للإشارة إلى الزحام مشتقة من كلمة "ترافق" العربية التي تعني السير قدما معا، ونحن نشترك في هذه الشوارع معا، ولا بد من ضابط قوي ينظم علاقتنا ببعضنا، وعلاقتنا بالشارع، والممتلكات، ومن قبل بأرواح الناس.

إن جزءا من التنمية البشرية هو تجهيز المواطنين لتحسين نوعية حياتهم، وفي حالة قيادة المركبات يجوز، بل الواجب أن يكون هذا التجهيز إجباريا، خاصة في المراحل الأولى إلى أن يصبح الالتزام واحترام النظام جزءا أصيلا في ثقافة الشارع لا يجرؤ أحد على مخالفته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي