تحفيز التوطين بتعظيم المحتوى
في إطار محور الاقتصاد المزدهر جاءت رؤية المملكة العربية السعودية 2030 بهدف زيادة معدلات التوظيف وتنمية وتنويع الاقتصاد كأحد أهداف المستوى الأول الذي تتفرع منه أربعة أهداف فرعية للمستوى الثاني، وهي تنمية مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد وتعظيم القيمة المتحققة من قطاع الطاقة وإطلاق قدرات القطاعات غير النفطية الواعدة وترسيخ مكانة المملكة كمركز لوجستي عالمي، ثم جاءت الأهداف التفصيلية في المستوى الثالث المرتبطة بهدف إطلاق قدرات القطاعات غير النفطية لتتضمن أربعة أهداف فرعية تفصيلية، وهي تعظيم القيمة المتحققة من قطاع التعدين وهدف توطين الصناعات الواعدة وتوطين الصناعات العسكرية ورفع نسبة المحتوى المحلي في القطاعات غير النفطية.
ويسعى البرنامج من خلال مستهدفاته إلى تفعيل خمسة مراكز قدرات وطنية لتقنيات الثورة الصناعية الرابعة، وكذلك زيادة نسبة المحتوى المحلي في قطاع النفط والغاز إلى 70 في المائة، من المستهدفات أيضا بلوغ نسبة 30 في المائة من إجمالي القيمة السوقية في التصنيع الدوائي، وكذلك رفع المحتوى المحلي في القطاعات غير النفطية، وقد تحققت في مسار توطين الصناعات نتائج مثمرة من بينها 300 مليار ريال استثمارات مستقطبة حملت معها أكثر من 50 ألف وظيفة، كما ارتفعت نسبة المحتوى المحلي في قطاع النفط والغاز من 35 في المائة 2015 لتتجاوز 56 في المائة في 2019، كما أسست هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية وتم في السياق نفسه، بناء إطار لتعريف المحتوى المحلي على مستوى الاقتصاد الوطني، إضافة إلى تطوير منهجية لقياس نسبة مساهمة المحتوى المحلي لتصدر موافقة مجلس الوزراء بعد ذلك على لائحة تفضيل المحتوى المحلي وإطلاق مبادرة شراكات المحتوى المحلي ومجلس تنسيق المحتوى المحلي المنبثق عنه، كما تم العمل خلال المرحلة الأولى من رؤية 2030 على تطوير جائزة للمحتوى المحلي تسهم في تحفيز القطاعين العام والخاص والموردين والشركات، خصوصا، لزيادة المحتوى المحلي في مختلف القطاعات وتطوير أدائها في تنفيذ العقود والمشاريع. كل هذه الأعمال والمنجزات الكبيرة والخطط الطموحة تؤكد عزم المملكة على تحقيق مستهدفات الرؤية بشأن تعزيز المحتوى المحلي وتوطين الصناعات بما يسهم في تنمية دور القطاع الخاص من جانب والوصول إلى اقتصاد مزدهر مستدام من جانب آخر.
واستمرارا لهذا النهج في توطين الصناعات ودعم المحتوى المحلي فقد وافق مجلس الوزراء خلال جلسته الأخيرة على إطار عمل منح حوافز توطين السلع والخدمات ذات الأولوية في الاستراتيجية الوطنية للتوطين ومصفوفة إجراءات اعتماد تلك الحوافز، وتأتي هذه الحوافز لتعزيز مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للصناعة التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، بعد أن أقرها مجلس الوزراء في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وتتضمن مستهدفات الاستراتيجية 12 قطاعا فرعيا لتنويع الاقتصاد الصناعي، وأكثر من 800 فرصة استثمارية بقيمة تريليون ريال، من أجل مضاعفة الناتج المحلي الصناعي بنحو ثلاث مرات، ومضاعفة قيمة الصادرات الصناعية لتصل إلى 557 مليار ريال، وتسعى الاستراتيجية الوطنية للصناعة إلى الوصول لمجموع قيمة الاستثمارات الإضافية في القطاع إلى 1.3 تريليون ريال، وزيادة صادرات المنتجات التقنية المتقدمة بنحو ستة أضعاف، إضافة إلى استحداث عشرات الآلاف من الوظائف النوعية عالية القيمة من خلال مضاعفة أعداد المصانع إلى نحو 36 ألف مصنع بحلول 2035، ومن الجدير بالإشارة هنا ما حققته المملكة من نجاحات مميزة وبارزة أثناء جائحة كورونا، خاصة في مواجهة تحديات توفير المعقمات، حيث نجحت في توفير المواد الخام وواجهت التحدي في صناعة العبوات، طبقا لما صرح به الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للغذاء والدواء خلال الجلسة الحوارية، التي نظمتها وزارة الصناعة والثروة المعدنية بعنوان "توطين الصناعة في المملكة"، في أكتوبر الماضي بمشاركة عدد من المسؤولين، لاستعراض الاستراتيجية الوطنية للصناعة، كما أشار الرئيس التنفيذي للهيئة إلى أن السعودية تعد أكبر أسواق المنطقة في تصدير الألبان والأدوية والأجهزة الطبية، وتستهدف توطين هذه الصناعات لما لها من أثر واضح في سلاسل الإمداد ورفع سلامة المنتجات للمستهلك المحلي، وتنمية الاقتصاد، وصنع وظائف جديدة.
وفي هذا الإطار، فإن الجهود تتكامل من أجل تحقيق مستهدفات توطين الصناعة، حيث أطلق صندوق التنمية الصناعية السعودي عدة شراكات مع الشركات الرائدة محليا، لدعمها في استبدال المنتجات المستوردة وقطع الغيار بالمنتجات المصنعة محليا من أجل توطين سلاسل الإمداد الخاصة بالشركات الكبرى، وهو ما سيساعد برنامج توطين على تحفيز الأنشطة الاستثمارية ودعم استراتيجية المحتوى المحلي الوطني، من خلال الحلول التمويلية الخاصة بالبرنامج.
ومع صدور قرار مجلس الوزراء الأخير بشأن حوافز توطين الصناعة، فإن الصورة تتكامل من جميع جوانبها التخطيطية والدعم والتمويل والتسهيلات، ولم يبق للقطاع الخاص سوى قطف ثمار هذه المرحلة التاريخية من الازدهار السعودي.