اقتصاد رقمي بتقنيات مبتكرة

قبل نحو عام تقريبا انطلقت في الرياض فعاليات النسخة الأولى من مؤتمر LEAP التقني الدولي تحت شعار "عين على المستقبل"، بمشاركة واسعة من أكثر من 350 متحدثا يمثلون 40 دولة حول العالم.

والناظر إلى مؤتمر ليب، وهو يعود في نسخته الثانية وبمشاركة، أكثر من 100 ألف مبتكر تقني وخبير من جميع أنحاء العالم، يرى كيف أصبحت التقنية جزءا من ثقافة المجتمع السعودي، وبمنزلة نقلة نوعية قوية ومستمرة منذ انطلاقة رؤية 2030، من أجل بناء شراكات جديدة، أو التواصل مع المستثمرين والتحليق نحو عوالم جديدة، لبناء مستقبل أكثر ابتكارا وجودة في هذا القطاع، لذا تبدو ملامح Leap23، مرسومة نحو اتخاذ خطوات جادة للتقدم في عالم التقنية والابتكار وجودته.
الحقيقة أننا تجاوزنا مراحل التعرف والدراسة والفهم، ونريد اليوم مشاركة العالم في مجالات الابتكار والتقدم والريادة في هذا المجال، ولتأكيد هذا التوجه فقد أطلق البرنامج الوطني لتنمية تقنية المعلومات من خلال أعمال هذه النسخة، عددا من المبادرات بالتعاون مع عديد من الجهات الحكومية والخاصة، أهمها إعلان مبادرات بقيمة 2.43 مليار دولار لدعم الشركات التقنية الناشئة تحفيزا لنموها وريادتها، إضافة إلى إطلاق ثمانية صناديق استثمارية بـ646 مليون دولار.

هذه المبادرات تأتي من خلال شركات وصناديق استثمارية مثل صندوق شركة STV للتمويل البديل المتوافق مع الشريعة الإسلامية، لتمكين نمو الشركات التقنية بـ150 مليون دولار، وصندوق شركة IMPACT46 بـ133 مليون دولار، الذي يستهدف الشركات التقنية الناشئة في السعودية، فدخول هذه الصناديق الاستثمارية المتخصصة، يعد تحولا استراتيجيا في مسار صناعة التقنية، ويؤكد أننا أمام مرحلة جديدة تماما تتمثل في بناء قطاع اقتصادي قادر على المنافسة العالمية.

وتتويجا لما سبق أن أعلنه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في جلسة مؤتمر مبادرات مستقبل للاستثمار قائلا، "نريد أن نحجز مكانا في المستقبل"، تم إعلان مشاريع نيوم مدينة للمستقبل موقعا للحالمين والمبدعين والموهوبين، ويتفاعل فيها البشر مع الروبوتات، وتصبح المملكة وجهة للابتكار وريادة الأعمال الرقمية عبر دعم نمو الشركات الناشئة والمتوسطة، وتسريع صناعة الألعاب الإلكترونية، وسبق أن أعلن الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس إدارة مجموعة سافي للألعاب الإلكترونية، حينها بقوله، إن "سافي" تعد عنصرا رئيسا من استراتيجيتنا الطموحة لتحويل السعودية إلى مركز عالمي لقطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية بحلول 2030.
فالعمل نحو بناء هذا القطاع يتطلب تنسيقا متكاملا بين المبادرين بجميع تنوعاتهم وخبراتهم، وبين شركات التمويل وصناديق المال الجريء، التي تسعى إلى الفوز بشركات نمو قد تكون إحداها من النوع الملياري.
من الجدير بالذكر أن الوصول إلى هذا المستوى من العمل يتطلب جهودا كبيرة في تنمية الإدراك بأهمية صناديق رأس المال الجريء ودورها في بناء اقتصاد حديث مستدام، فالاستثمار في رأس المال الجريء في مشروع واعد بالنمو، يتركز حول تمويل المراحل المبكرة للشركات الجديدة التي تسعى إلى تحقيق نمو سريع.

وقد أثبت جدواه مع مشاريع التكنولوجيا المتقدمة في وادي السيليكون في الولايات المتحدة، وأسهم الاستثمار في رأس المال الجريء في الاقتصاد الأمريكي بإنشاء 72 شركة في المعدات المتعلقة بالحاسوب، والألياف الضوئية، والضوابط الصناعية، والليزر، والروبوتات، وذلك في الثمانينيات من القرن الماضي، وحققت هذه الاستثمارات قفزات غير اعتيادية في هذه المجالات مع بلوغ متوسط النمو في المبيعات السنوية 33 في المائة سنويا، وأنتجت هذه الشركات ما يقدر بـ130 ألف وظيفة، ولتحقيق مستهدفات التنويع الاقتصادي وسعت برامج الرؤية لتمكين المستثمرين من الوصول إلى الفرص الاستثمارية، وتقديم التسهيلات والمرونة لهم، وغيرها من الخدمات.

وتقدمت السعودية في مؤشر "سهولة ممارسة الأعمال" الصادر عن البنك الدولي بـ29 مركزا، وتم إنجاز أكثر من 555 إصلاحا في خدمات المستثمرين، من أبرزها تقليص مدة البدء في النشاط التجاري إلى 30 دقيقة بعد أن كانت تصل إلى 15 يوما، وتم تأسيس الشركة السعودية للاستثمار الجريء في 2018 باستثمارات تبلغ 2.8 مليار ريال "750 مليون دولار"، وشهد 2021 تنفيذ استثمارات بقيمة قياسية بلغت 2.55 مليار ريال في شركات ناشئة سعودية، محققا نموا بنسبة بلغت 270 في المائة، مقارنة بـ2020، لذلك كله نقول إن ما يشهده مؤتمر Leap23 من إطلاق الصناديق الاستثمارية والمبادرات من القطاع الخاص، يعد إدراكا للحراك الذي تشهده المملكة في هذا القطاع، وثقة بالاقتصاد الوطني وقيادته، التي وفرت كل أسباب وفرص النجاح، ليصل الاقتصاد إلى الريادة في تكنولوجيا المستقبل، التي ستكون مشاريع المملكة العملاقة مثل نيوم وأوكساچون محل استقطاب.

إنها مواءمة كبيرة واستراتيجية بين قضايا متعددة، فالابتكار والشباب والتوظيف ورأس المال الجريء جميعها تلتقي في مسار واحد، هو الريادة في عالم التقنية المستقبلية، وفي هذا المسار بالذات، أعلنت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات أن هناك ثمانية صناديق للتمويل الجريء، من بينها صندوق ميراك للتمويل المباشر، الذي أطلقته شركة Merak Capital بـ53 مليون دولار بهدف دعم الشركات التقنية، بعد ذلك جاء إعلان البنك السعودي للاستثمار تخصيص 40 مليون دولار لإطلاق حاضنة ابتكارات في مجال التقنية المالية وغيرها، للمساهمة في نمو القطاع المالي، كما أطلقت شركة ركيزة صندوق استثمار جريئا مدعوما بمسرعة أعمال عالمية في الرياض، وذلك بقيمة 25 مليون دولار، وتم إطلاق شركة BIM VENTURES لتطوير الأعمال بقيمة 100 مليون دولار، من خلال استوديو بناء الشركات التابع لها، لإيجاد شركات تقنية ناشئة ذات طابع ابتكاري واستدامة مالية، وذلك بالشراكة مع مجموعة السليمان، وأطلقت شركة Shorooq صندوقها الثاني للاستثمار في الشركات النامية في المملكة، إلى جانب إطلاقها صندوقا ماليا آخر، لتسريع الألعاب الإلكترونية، وذلك بقيمة 115 مليون دولار، كما تم إطلاق تطبيق "هكتار"، أحدث تطبيقات التواصل الاجتماعي وأكثرها تنافسية على الإطلاق، بشراكة سعودية.
ومما ذكر من أرقام وصفقات مميزة شكلت مشهدا بارزا في هذا الجانب، وهذه النقلة النوعية والموضوعية من التخطيط الاستراتيجي إلى تنفيذ المشاريع وإطلاق الصناديق التمويلية الضخمة والبرامج والمشاريع، التي تم التأكيد عليها في أكثر من مناسبة بأنها تعد مرحلة التنفيذ وتسريع الإنجاز، وإذا كانت مستهدفات المرحلة الأولى من الرؤية قد تحققت بأكثر من الأرقام المخطط لها، فإن المؤشرات تؤكد أن المرحلة الثانية قد بدأت تؤتي ثمارها لتصبح السعودية في مصاف الدول الرائدة في تكنولوجيا المستقبل والحاضنة الأولى في العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي