Author

تأمين المركبات .. هل من مبرر؟

|

الارتفاعات المتتالية لتكاليف التأمين ضد الغير لمركبات الأفراد أضحت حديث المجالس وكثرت التفسيرات والتبريرات والأعذار في محاولة لفهم ما يدور بين شركات التأمين وعملائها.
الأمر المؤكد هو أن تكاليف وثائق التأمين ضد الغير ارتفعت بشكل ملحوظ منذ عام أو عامين، وتضاعفت عدة مرات في الأشهر القليلة الماضية.
بحسب البنك المركزي السعودي كان صافي أقساط التأمين المكتسبة لتأمين المركبات لجميع شركات التأمين نحو 7.7 مليار ريال في 2021، بينما فقط لتسعة أشهر من 2022 بلغت هذه الأقساط 7.03 مليار ريال، أي من المتوقع أن يتجاوز صافي محصلات التأمين على المركبات 9.2 مليار ريال بنهاية 2022. ويقصد بأقساط التأمين المكتسبة صافي نصيب شركات التأمين من متحصلات وثائق التأمين وذلك بعد دفع تكاليف إعادة التأمين التي تقوم بها الشركات لمصلحة شركات إعادة التأمين داخل المملكة وخارجها. من ناحية أخرى ارتفعت أرباح القطاع ككل من خسارة سبعة ملايين ريال في الربع الثالث 2021 إلى ربح بمقدار 450 مليون ريال للربع المماثل من 2022.
البيانات هذه تشير بشكل واضح إلى أن هناك تسارعا في إيرادات شركات التأمين من وثائق المركبات المكتتب فيها، حيث كانت 1.8 مليار ريال في الربع الثالث من 2021، وارتفعت إلى 2.4 مليار ريال في الربع الثالث من 2022، أي بزيادة 600 مليون ريال أو
بـ33 في المائة لفترة ثلاثة أشهر فقط، بينما ارتفعت المطالبات للفترة نفسها من 1.5 إلى 2.0 مليار ريال.
معروف أن شركات قطاع التأمين تعاني عدة مشكلات هيكلية ومالية وبالفعل تلقى عدد منها خسائر مالية في الأعوام الماضية، نتج عن ذلك عدة اندماجات اختيارية أو إلزامية من قبل البنك المركزي، إلا أن ارتفاع تكاليف وثائق التأمين بشقيها ضد الغير والشامل خلال فترة قصيرة، أمر يستلزم البحث والتحليل لتحديد مسبباته. والحقيقة أن للبنك المركزي دورا كبيرا في إيضاح ملابسات الأسعار ومسببات ذلك، لكون البنك المركزي هو الجهة الحكومية المشرفة على نشاط شركات التأمين ، ومن ذلك الخروج ببيان يتسم بالوضوح والشفافية، خاصة أن ارتفاعات الأسعار التي طبقت أخيرا على تأمين المركبات كبيرة جدا.
هل سبب ارتفاع التكاليف زيادة في عدد حوادث السيارات؟ المعروف أن هناك تحسنا ملحوظا في انخفاض عدد الحوادث المرورية وحجم الخسائر المتعلقة بها، حيث تشير الإحصاءات إلى انخفاض وفيات الحوادث المرورية في المملكة من 27 وفاة لكل 100 ألف شخص في 2016 إلى 13 وفـاة لكل 100 ألف في 2021، مع استهداف خفض ذلك إلى ثماني وفيات لكل 100 ألف في 2030. وفي إحصائية صادرة من وزارة الصحة يتبين أن عدد الوفيات انخفض من 5787 في 2018 إلى 4618 شخصا في 2020، وانخفض عدد الإصابات من 30 ألف في 2018 إلى 25 ألف حادث في 2020.هنا يتضح أن هناك تراجعا حتى إن قلت نسبته في حوادث السيارات فكيف يمكن فهم وتصديق ما قالته شركات التأمين إن من أسباب زيادة أسعار التأمين زيادة عدد الحوادث!
وإذا كان من المعلوم أن شركات التأمين تماطل وتتأخر كثيرا في دفع مبلغ التعويض للمتضرر ، فإن البعض يشير إلى ارتفاع باهظ في تكاليف التأمين على المركبات بأكثر من الضعف خلال العامين الماضيين وهذه لا شك نسبة كبيرة، وهناك من يعتقد أن السبب في ذلك يعود إلى أن شركات التأمين تتحمل تكاليف عالية مقابل المطالبات المتعلقة بالحوادث، حيث تواردت أنباء فردية عن الحصول على مبالغ تعويض تعادل أضعاف حجم الخسائر الفعلية. وإذا كانت مثل هذه الروايات صحيحة فلا بد من قيام الجهات المعنية بتقصي حقيقة ذلك، والعمل على ضبط آلية التعويض المتبعة حاليا.
هناك عدة تطورات مهمة جميعها تصب في جانب ضرورة توقف تصاعد تكاليف التأمين في الفترات المقبلة، من ذلك ما صدر عن وزارة النقل هذا الأسبوع عن اقتراب إصدار كود الطرق السعودي، الذي يهدف إلى رفع مستوى جودة الطرق وسلامتها، ما سيسهم في خفض الحوادث المرورية والخسائر المتعلقة بها. من جهة أخرى من المعروف أن شركات التأمين تستفيد من ارتفاع معدلات الفائدة من أجل رفع عوائد استثماراتها، وهذا في الواقع صلب عمل شركات التأمين، أي قيامها بالاستفادة من متحصلات اكتتاب الوثائق بوضعها في استثمارات آمنة، وبحكم أنه في 2022 ارتفعت نسبة العوائد على كثير من الأصول المالية الآمنة كالسندات والصكوك، فمن المفترض أن يساعد ذلك شركات التأمين على تحقيق أرباح مجزية، وبالتالي عدم الحاجة إلى رفع تكاليف وثائق التأمين.

إنشرها