الاقتصادات .. موجة عاتية ونمو مأمول
كثرت التنبؤات بقتامة وضبابية نمو مؤشرات الاقتصاد العالمي خلال الفترة، بسبب مسببات وظروف كثيرة شهدها 2022، منها اقتصادية بحتة وأخرى عوامل جيوسياسية أثرت في المشهد الاقتصادي لمعظم دول العالم، تتوافق التوقعات بين الجهات الدولية المعنية بشأن الاقتصاد العالمي، وهذا التوافق ينسحب حتى على تخفيضات معدلات النمو للعام الجاري بين الحين والآخر. والواقع أن هذا الاقتصاد يمر بمرحلة حرجة وتتعمق مع الوقت، في ظل غياب الأدوات الفاعلة للحيلولة دون وقوع دول تعد بالعشرات في براثن الركود.
وفي الوقت الذي أعاد فيه البنك الدولي النظر في مؤشرات النمو المتوقعة لـ2023، رفع في إشارة واضحة توقعاته لنمو الاقتصاد السعودي من 3.7 إلى 3.8 في المائة، في حين أن دولا كانت تتمتع بمستويات نمو عالية قبل الأزمة العالمية الراهنة، تعرضت لخفض النمو فيها، ليس فقط لهذا العام، بل للأعوام المتبقية حتى منتصف العقد الحالي. ومحركات الاقتصاد الوطني السعودي، تحقق بالفعل قفزات نوعية حتى في عز الأزمة العالمية ككل، ما يعزز الاعتقاد بأن اقتصادها يتمتع بمستويات نمو مقبولة ضمن مسارها في تحقيق أهداف رؤية 2030.
وترى المؤسسات الدولية ذات الصلة أن الأداء الاقتصادي السعودي الصحي، سيؤمن للبلاد مزيدا من القوة ليس فقط لتحقيق نمو مستدام، بل للحفاظ على النمو لفترات طويلة، حتى في ظل العثرات الاقتصادية العالمية الراهنة.
هذا الطرح، يأتي في ظل تخفيض البنك الدولي توقعات النمو العالمي إلى 1.7 في المائة. وكان قد طرح في العام الماضي عدة توقعات أعلى من هذا المستوى. إلا أن الحراك الاقتصادي الدولي لا يزال متأثرا وبقوة بأزمات مختلفة، في مقدمتها استمرار الحرب الدائرة في أوكرانيا، التي أربكت المشهد العالمي العام ولا تزال، ومواصلة المواجهات التجارية بين اقتصادات تتصدر قائمة الأكبر على مستوى العالم، وعدم وضوح الرؤية حقيقة حيال الآليات الكفيلة بالسيطرة على الموجة التضخمية العاتية، التي بلغت في عدد كبير من الدول الخانة العشرية.
وخفض توقعات النمو العالمي للعام الجاري من قبل البنك الدولي يتوافق مع رؤية صندوق النقد الدولي للأمر برمته. فقد قدمت كريستالينا جورجييفا رئيسة هذا الصندوق صورة قاتمة حقا للاقتصاد العالمي، وعدت العام الحالي أنه سيكون أسوأ من 2022 على صعيد النمو. فالتباطؤ سيكون السمة السائدة في الأشهر القليلة المقبلة، بما في ذلك على الساحة الصينية التي تعد واحدة من المحركات الرئيسة للاقتصاد العالمي. وإذا ما أضفنا تباطؤ المحركات الاقتصادية في كل من أوروبا والولايات المتحدة إلى المشهد، فإن النمو المأمول سيبقى بعيدا على الأقل حتى نهاية العام الحالي. ومن المرجح أن يكون النمو في الصين مساويا للنمو العالمي، وهي نقطة تثير مزيدا من القلق لدى المشرعين الاقتصاديين حول العالم.
سيكون النمو لـ2023 الأضعف منذ أكثر من ثلاثة عقود، باستثناء فترة الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت في 2008، وبالطبع الانعكاسات التي تركتها جائحة كورونا على الساحة الدولية. والحق أن النمو المنخفض يعود أساسا إلى سياسات التشديد المالية التي باتت السمة الرئيسة حاليا في المشهد العام. فحتى مؤسسة كصندوق النقد الدولي وجهت أخيرا تحذيرات واضحة إلى الولايات المتحدة بعدم التراخي في مسألة رفع الفائدة، لأن مخاطر التضخم لا تزال ماثلة على الساحة. وهذا يعني أن التباطؤ سيكون مضمونا في أغلبية دول العالم، وأما الركود فسيكون حاضرا في دول تتمتع بمحركات اقتصادية عالمية مؤثرة. كما أنه يعزز الاعتقاد بأن النمو لن يرتفع فوق 2 في المائة خلال العام الحالي، وربما حتى العام المقبل، إذا ما بقيت موجة التضخم تؤثر سلبا في الحراك الاقتصادي العام.