مستقبل ديون قطاع الأسر "1 من 2"
أي ارتفاع كبير في ديون قطاع الأسر ـ بما في ذلك جميع الديون الاستهلاكية والقروض العقارية ـ دائما ما كان يشير في الماضي إلى احتمال حدوث ركود اقتصادي وشيك.
في حديث أجريته مع أمير صوفي، أستاذ الاقتصاد والسياسة العامة في كلية بوث لإدارة الأعمال التابعة لجامعة شيكاغو، عما تنبئ به حالة ديون قطاع الأسر عن الركود المحتمل والمخاطر الناجمة عن تزايد عدم المساواة، وعن تنبؤه بتوقيت العودة إلى معدلات التضخم وأسعار الفائدة المنخفضة، وعن مستويات الدين، لماذا لم تشهد في القطاع الخاص وأسواق المساكن ارتفاعا حادا أثناء الجائحة على غرار ما حدث أثناء الأزمة المالية العالمية؟ فقال، قد يكمن التفسير في اختلافين رئيسين. أولا، في الفترة السابقة عن الجائحة، لم يكن هناك أي توسع ملحوظ في الائتمان، وكان من الواضح أن الركود الناجم عن جائحة كوفيدـ 19 قد حدث لأسباب لا علاقة لها بالقطاع المالي، إذ لم تكن له الديناميكية نفسها للهبوط والانتعاش المعروفة في حالات الركود الناجمة عن الائتمان.
والعامل الرئيس الثاني هو أن الحكومة ـ على الأقل في الولايات المتحدة ـ قامت بتدخلات مؤثرة للغاية على صعيد السياسات، لمحاولة تخفيف العسر المالي في قطاع الأسر. فعلى سبيل المثال، كانت سياسات تأجيل مدفوعات القروض العقارية خطوة جريئة للغاية. كذلك ساعدت الدفعة التنشيطية الكبيرة من المالية العامة على التخفيف من وطأة جائحة كوفيدـ 19 على الميزانيات العمومية للأسر ومعدلات التعثر.
وسألته عن المعاناة الحالية من التضخم سريع الارتفاع، والتباطؤ الاقتصادي، وأسعار الفائدة المتزايدة، هل يساورك القلق من أننا ربما نشهد مزيدا من الآثار الاقتصادية السلبية، على سبيل المثال، إذا ما انخفضت أسعار المساكن وارتفعت معدلات البطالة؟ فقال لا تزال البيئة اليوم مختلفة تماما عن الدورات الاقتصادية السابقة، والسبب هو أن التضخم الحالي يرتبط بشكل مباشر للغاية بالدفعة التنشيطية من المالية العامة وصدمات التكاليف، خاصة تلك الناجمة عن قضايا الطاقة وسلاسل الإمداد، ودائما ما كانت القناة المعتادة هي الأسر التي يتراكم عليها كثير من الديون ـ وبعض هذه الديون يتأثر بالتغيرات في أسعار الفائدة. وعندما ترتفع أسعار الفائدة يؤدي ذلك إلى تباطؤ واسع النطاق في الإنفاق الاستهلاكي.
لكن الأمر مختلف هذه المرة ـ فالميزانيات العمومية للأسر في الولايات المتحدة سليمة تماما بالفعل، وهو ما يعزى جزئيا إلى التنشيط المالي القوي. لذا فإن ارتفاع أسعار الفائدة سيكون أقل تأثيرا من المعتاد.
ويبدو أن التضخم يؤثر في الإنفاق، حسبما يتضح من المؤتمرات التي يجريها رؤساء شركات التجزئة عبر الهاتف لعرض النتائج المالية، إذ يشهدون على حد قولهم تراجعا حادا بالفعل في مستويات الإنفاق الاستهلاكي بسبب التضخم. وبالطبع، يؤثر ارتفاع أسعار الفائدة أيضا في قطاعات الاقتصاد الأكثر عرضة لتغيرات أسعار الفائدة، ولا سيما شراء المساكن والسيارات.
لكن في المجمل، لا أعتقد أن الحقبة الحالية تتحقق فيها العناصر التي نراها عادة في فترات الركود الحاد ـ كالارتفاع الكبير في ديون القطاع الخاص وانهيار الاستثمار والإنفاق.
ويقول أمير أيضا، إن الصين قد تشهد تدهورا كبيرا في أوضاعها الاقتصادية ليس فقط بسبب عمليات الإغلاق العام المترتبة على جائحة كوفيدـ 19، التي كانت محل اهتمام كبير، بل أيضا بسبب سوق العقارات. فالمسار الذي اتبعته الصين عادة ما يؤدي إلى ركود حاد بالفعل. ولن أشعر بالدهشة إذا ما ظلت مشكلات العقارات في الصين تشكل عبئا كبيرا على اقتصادها.
ويرى أمير - عما يتوقعه البعض أننا على أعتاب مرحلة يسودها ارتفاع في معدلات التضخم وأسعار الفائدة، ما قد يعرض أصحاب المساكن إلى مزيد من المخاطر، والبعض الآخر يشير إلى أن أسعار الفائدة الطبيعية المنخفضة بدأت في العودة مجددا ـ أن حالة التوازن القائمة على معدلات التضخم وأسعار الفائدة المنخفضة ستعود بعد ثلاثة إلى خمسة أعوام من الآن. وستسهم العوامل طويلة الأجل في خفض أسعار الفائدة أو الحفاظ على انخفاضها. وما نشهده الآن هو في الأساس نتاج التنشيط المالي القوي للغاية وصدمات التكاليف ـ خاصة أسعار الطاقة وانقطاعات سلاسل الإمداد. وقد أعلنت البنوك المركزية بوضوح رفع أسعار الفائدة لمحاولة التأثير في توقعات التضخم، وأعتقد أنها ستنجح في ذلك.
ولا تزال عائدات السندات الحكومية الأطول أجلا منخفضة، كما انعكس اتجاه منحنى العائد وتتوقع الأسواق أن أسعار الفائدة طويلة الأجل ربما ستظل منخفضة على المدى الطويل.
لكن علينا توخي الحذر. فإذا ما أدت الحرب في أوكرانيا والتغيرات المناخية إلى زيادة كبيرة في الإنفاق العسكري والاستثمار الأخضر على الترتيب، قد يفرض ذلك ضغوطا رافعة لأسعار الفائدة والتضخم في الأعوام القليلة المقبلة.. يتبع.