أنظمة الغذاء .. هشاشة مقلقة
ليس هناك تصور واضح حتى اليوم لمستقبل سوق الحبوب العالمية. وهذا ما يفسر توارد التحذير تلو الآخر من جانب المؤسسات الدولية المعنية بشأن الغذاء، وتلك المرتبطة بما يسمى بمشاريع "الإنماء".
وأزمة الحبوب عموما ليست جديدة، كانت موجودة حتى قبل الحرب في أوكرانيا، إلا أن هذه الحرب عمقتها كما عمقت أزمة مصاحبة لها تتعلق بالطاقة بأنواعها.
ورغم أن العالم شهد فترات هادئة على صعيد أزمة الحبوب في العقد الماضي، إلا أن هذا المنتج الأساسي ظل متأثرا بتداعيات مشكلة هنا وأخرى هناك، بما في ذلك مشكلات الأعوام التي ظلت على الساحة الدولية بين 2008 و2011، التي كان سببها الوحيد متعلقا بالجانب المالي، في أعقاب أزمة اقتصادية عالمية لا تنفجر إلا كل 100 عام، بحسب الاقتصاديين الغربيين آنذاك.
كانت السلع متوافرة لكن المال ليس كذلك.
الحرب في أوكرانيا أعادت مشكلات إمدادات الحبوب إلى الواجهة، في وقت يصعب التكهن بانتهاء هذه الحرب قريبا، مع تفاقم الخلافات السياسية الناجمة أصلا عن أزمات جيوسياسية. وكما أظهرت الحرب هشاشة نظام الطاقة في القارة الأوروبية، كذلك فعلت في النظام الغذائي عموما.
فروسيا تصدر سنويا 33 مليون طن من القمح، بينما تنتج أوكرانيا وتصدر 20 مليون طن، فضلا عن المواد الأساسية الأخرى من الزيوت والذرة والشعير والصويا وبذور اللفت، فضلا عن الأسمدة.
فهذه الأخيرة وحدها عمقت أزمة الزراعة في كثير من الدول، نتيجة تراجع صادراتها، بفعل أخطر حرب تجري منذ الحرب العالمية الثانية.
وينسحب الأمر على الأعلاف، حيث يواجه مربو الماشية هنا وهناك أزمات في تأمينها بصورة كافية، رغم ارتفاع أسعارها.
المشهد العام يعزز حقيقة أن اضطراب النظم الغذائية سيبقى موجودا على الساحة العالمية لفترة طويلة، وقد يستمر إلى نهاية العقد الحالي.
والمسألة لا تتعلق فقط بتراجع الإمدادات أو تعرضها لمخاطر التوقف النهائي، بل تشمل أيضا ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية ولا سيما الحبوب بأنواعها وزيوت الطعام، ما يجعل الأعباء أكبر، خصوصا في الفترة الراهنة التي تشهد موجة تضخمية هائلة الحجم وطويلة الأمد.
هذا المشهد يجمع على بقائه في الساحة كل المختصين حول العالم طوال العام المقبل على أقل تقدير، لكن إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه واقتراب الحرب في أوكرانيا من عامها الأول دون حل أو بارقة أمل بوقفها، فإن التقلبات في سوق الغذاء العالمية ستبقى حاضرة وربما دخلت في مرحلة أكثر حساسية، أكثر مما هي الآن.
لا شيء يوقف المسار التصاعدي لأسعار الحبوب والمواد الغذائية الأساسية في العام الجديد.
فمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو"، تتوقع أن ترتفع فاتورة الغذاء في 2023 أكثر من 10 في المائة، الأمر الذي سيعمق أكثر مشكلة التضخم التي باتت جزءا أساسيا من المشهد الاقتصادي العالمي العام.
وإذا كانت الدول المتقدمة وتلك التي تنعم بثروات كبيرة يمكنها تحمل هذه الفاتورة، فإن الدول الفقيرة وتلك التي توصف بالأشد فقرا، ستواجه سلسلة من الضغوطات لن تنتهي قريبا.
حتى إن بعض المراقبين في الأمم المتحدة حذروا من إمكانية نشوب اضطرابات أهلية في الدول الأكثر هشاشة اقتصاديا. وهذه النقطة خصوصا تحول الأزمة إلى أوضاع مؤلمة لا أحد يمكنه أن يتوقع نهاياتها.
دون أن ننسى، أن بعض الدول المنتجة للحبوب، اتخذت قرارات حمائية في الآونة الأخيرة، لتأمين الإمدادات لشعوبها في وقت الأزمات، مثل الهند وغيرها.
سيبقى النظام الغذائي العالمي هشا، إذا لم تستقر الأوضاع في دول مثل روسيا وأوكرانيا، تسيطران على نحو 40 في المائة من صادرات الحبوب الدولية، فضلا عن ضرورة معالجة مسببات التضخم المستشري في الساحة ككل.