أسوأ مؤشرات منذ 2008
مع انتهاء 2022 تتراجع أسعار الأسهم في كل مكان تقريبا، في الوقت الذي ترتفع فيه أسعار السلع بفعل التضخم وأسعار الفائدة في ظل أزمة ركود بتراجع في النمو العالمي. ومع طبول الحرب، التي تدق في جغرافيا النزاع العالمية، إذا هو عام مضطرب جدا، بل هو الأكثر اضطرابا منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، والمشكلة الأساسية في هذا الاضطراب العالمي أنه بلا بنية واضحة.
فقد بدأت الاضطرابات منذ الخروج غير المتكافئ من أزمة كورونا، ما أوجد اضطرابات في سلاسل التوريد، ومع اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية تفاقم الوضع فيما يتعلق بسلاسل توريد المواد الغذائية وأبرزها الحبوب، باعتبار روسيا وأوكرانيا من كبار المصدرين للقمح عالميا، ومع تواصل الحرب بينهما حدث ارتفاع كبير في تكاليف الغذاء في 2022، ثم انعكست تلك الأحداث على أسعار الغاز وتوريد النفط، وبهذا انتقلت أزمة سلاسل الإمداد نحو الأسعار بسهولة وبسرعة كبيرة.
لقد كانت الأسعار تلتهم كل الدخول الأساسية، بل حتى المساعدات - كما تشير التقارير الاقتصادية المختلفة.
وفي زخم هذه الاضطرابات في الأسعار سرع "الفيدرالي الأمريكي" من رفع أسعار الفائدة لكبح التضخم دون كبح أسبابه الأساسية، أي بلا معالجة تامة وشاملة لأسباب اضطراب سلاسل التوريد. وكأن "الفيدرالي" يلقي باللائمة على وفرة الدولار، لذلك كان الحل في سحب كل الكميات الإضافية حتى يصل الاقتصاد الأمريكي إلى توازن بين الطلب وبين وفرة السلع، وهذا التسارع في رفع سعر الفائدة أدى إلى مشكلة عدم توازن في العوائد بشكل واسع النطاق وعلى مستوى العالم، خاصة بين الأصول ذات المخاطر، التي لا يخلو منها اقتصاد، والأصول خالية المخاطر التي لا يوفرها سوى الحكومة الأمريكية، وهذا يعني مقارنات بين عوائد كل الأصول بأنواعها وأشكالها، وبين عوائد الودائع الأمريكية.
وفي ظل الاضطرابات وعدم وضوح حلول قريبة، بل تكهنات بمزيد منها، فلم تجد الأموال الساخنة أبرد من خزائن بنوك الولايات المتحدة كي تنجو من التبخر. وهكذا ببساطة محت الأسواق المالية العالمية خلال العام الجاري تريليونات الدولارات، لتقترب مؤشراتها من تسجيل أسوأ أداء سنوي منذ 2008، مع تزايد حالة التشاؤم من المستثمرين نتيجة كل هذه العوامل. وبحسب تقرير صحيفة "الاقتصادية"، فقد تراجع مؤشر "إم إس سي آي" العالمي 19.4 في المائة في أعلى وتيرة في 14 عاما، وهبط مؤشر "إم إس سي آي" للأسواق الناشئة 22.5 في المائة، وسط تقديرات لبلوغ الخسائر السوقية للأسهم العالمية بين 13 و15 تريليون دولار خلال العام الجاري.
لم يكن هناك كثير من الناجين من المذبحة، التي أصابت الأسواق المالية سوى مؤشر "سينسيكس" للسوق المالية في الهند، والذي حقق مكاسب عند 2.7 في المائة تلاه مؤشر فوتسي البريطاني المرتفع 1 في المائة بنهاية جلسة 23 ديسمبر الجاري، بينما عم اللون الأحمر كل الأسواق المالية في العالم، فتراجع مؤشر ناسداك الأمريكي 32.8 في المائة، مسجلا أكبر تراجع بين البورصات العالمية وأسوأ أداء سنوي منذ 2008 وتراجع مؤشر كوسبي الكوري بتراجع 22.3 في المائة، ومؤشر شنزن الصيني 22 في المائة، ومؤشر ستاندرد آند بورز بما يزيد على 19 في المائة، وبالطبع لم تكن السوق السعودية قادرة على عكس الاتجاه على الرغم من النمو القوي للاقتصاد السعودي خلال العام الجاري، حيث سجل مؤشر "تاسي" الرئيس تراجعا تجاوز 9 في المائة لينهي سلسلة الارتفاعات السنوية التي بدأها منذ 2016.
وعلى الرغم من هذه الخسائر في أسواق المال، فإن المستثمرين يتطلعون إلى تعويضات جيدة من خلال أسعار الفائدة على الودائع، ما يعني أن الأسواق قد تشهد مزيدا من خروج الأموال والتخلص من الأصول ذات المخاطر ضمن استراتيجية تشهدها المحافظ الاستثمارية نحو مزيد من إعادة الهيكلة، لكن هل يستمر هذا الاتجاه طويلا؟ حل هذه المسألة يكمن في سعر الفائدة، ذلك أن المقترضين يتجهون للتوقف عن الاقتراض لصعوبة الحصول على الأموال الرخيصة، وهذه النقطة يجب التفكير فيها جيدا، فصعوبة الحصول على أموال رخيصة قد يعطل عجلة الاستثمار في صناعات عديدة، ما يعني ضعف النمو وهذا متوقع بشكل أو بآخر، حيث توقع تقرير صدر أخيرا للبنك الدولي أن يتراجع النمو العالمي لهذا العام إلى قريب من 2 في المائة بعد أن كان يأمل في نمو بأكثر من 4 في المائة، وهذا التراجع في النمو العالمي مع احتمالات الركود، الذي يعرف أنه تراجع في النمو لمدة تزيد على ستة أشهر مع ظواهر سلبية مثل ارتفاع معدلات البطالة، يعني مزيدا من الاضطرابات في عديد من الدول، فمع استمرار ارتفاع الأسعار العالمية نتيجة الاختلالات في أسعار الصرف مقابل الدولار، فإن اشتداد المطالبات في كل مكان من أجل زيادة الأجور والدعم في مقابل التضخم قد تكون أكثر احتمالا، ومهما كان قرار الحكومات في مواجهة هذه الاضطرابات المحتملة، فهناك مزيد من الضغوط على الأسواق العالمية، ومزيد من الخروج نحو مراكز أكثر أمانا.