التحقق من صحة الافتراضات «3»

ليس غريبا على إيمي وجون البحث في قضايا العصر فقد سبق لهما إلقاء الضوء على الجدل القائم حول التنشيط المالي. فقد أعاد الركود الكبير التنشيط المالي إلى المشهد مرة أخرى. وتقول إيمي، "في العالم الأكاديمي، كان من اللافت للنظر قلة الوعي لدى المواطنين ومحدودية الأدلة المتاحة". ولذلك فقد شرعت إيمي بالتعاون مع جون في معالجة هذه الفجوات من خلال دراسة Fiscal Stimulus in a Monetary Union (2014).
وقرر كل من إيمي وجون أن معدلات الإنفاق العسكري الأمريكي هو المحور المثالي الذي يمكن التركيز عليه، نظرا إلى تباينه باختلاف المنطقة، علاوة على إمكانية عزل تأثير الإنفاق في النمو ـ المضاعف المالي ـ نظرا إلى أن مناطق الولايات المتحدة تطبق سياسة نقدية وضريبية مشتركة. وكان لديهما اهتمام بالغ بالتفاصيل، حيث رصدا مشتريات عسكرية على مدار 40 عاما تنوعت بين إصلاح منشآت عسكرية وشراء حاملات طائرات. وتقول إيمي، "تضمنت دراستنا شواهد على أن المضاعف المالي يمكن أن يكون كبيرا" بحيث يمكن للتنشيط المالي أن يعزز من النمو بشكل كبير.
وعلى الرغم من تركيز إيمي وجون في كثير من أبحاثهما على الولايات المتحدة، فإنهما كثيرا ما يتطلعان إلى الخارج فقد استلهما دراستهما بعنوان The Gift of Moving (2022) من آيسلندا، الموطن الأصلي لجون، حيث تناولا تجربة طبيعية ذات صلة بالحراك الاجتماعي. ففي 23 كانون الثاني (يناير) 1973، وقع انفجار بركاني في جزر ويستمان قبالة الساحل الجنوبي لآيسلندا، واضطرت السلطات إلى إجلاء جميع السكان فورا. وعاد معظم السكان إلى منازلهم فيما بعد، لكن السكان الذين تعرضت منازلهم للدمار كانت احتمالات عودتهم أقل كثيرا.
وتتبعت إيمي وجون وجوزيف سيجوردسون من جامعة ستوكهولم الأداء الاقتصادي للآباء وأبنائهم خلال الـ34 عاما اللاحقة. وقد تسنى لهم ذلك من خلال دراسة بيانات مفصلة حول الدخل والتعليم وعلاقات الأنساب المتاحة عن سكان آيسلندا. وتوصلوا إلى أن الأبناء الذين انتقلوا من الجزر قد أتيحت لهم مستويات من التعليم والدخل أعلى مما كانوا سيحصلون عليه في حالة بقائهم، بينما تراجع دخل آبائهم بعض الشيء. وعموما، فإن التكاليف الكبيرة التي يتحملها الآباء قد تثنيهم عن الانتقال، وتمثل بالتالي عائقا أمام الحراك الاجتماعي.
وكان تحسن فرص الحياة في حالة الأبناء مفاجئا إلى حد ما، نظرا إلى أن معظمهم قد انتقل إلى مناطق منخفضة الدخل. فبحسب ما أوضحت إيمي، فإن "جزر ويستمان مكان رائع إذا كانت مهاراتك تتوافق مع الفرص المتاحة في الجزيرة مثل نشاط صيد الأسماك الذي يدر دخلا مرتفعا للغاية. لكن إذا كنت عبقريا في مجال الحاسوب أو تتمتع بعقلية قانونية فذة، فلن تكون الجزر هي المكان المناسب لجني أكبر دخل ممكن من هذه المهارات".
ويعمل كل من إيمي وجون حاليا على دراسات ستصدر لاحقا حول كيفية تأثير تخفيض أسعار الصرف في النشاط الاقتصادي، والآثار الاقتصادية المترتبة على تمديد صرف إعانات التأمين ضد البطالة، وتأثير أساليب التعديل الموسمي المستخدمة في الإحصاءات الحكومية.
يمكن القول إن إيمي وجون يحققان معا في دراساتهما أكثر مما يمكن لأي منهما أن يحققه منفردا.
من جانبه، يشير جون إلى الدقة الكبيرة التي تتسم بها إيمي قائلا، "عند محاولة شرح قضية ما لإيمي، فإنها ترد في الأغلب بعبارة "لا أفهم". فشرح الأمور لإيمي أصعب كثيرا من شرحها لأي شخص آخر أعرفه. غير أن ذلك يعكس في الواقع رقي معايير الفهم لديها، وعدم تسرعها في فهم القضايا المهمة في سياق أبحاثنا".
وتقول إيمي، "جون يطلعني دائما على أفكار جديدة، وهو بارع أيضا في هدم الأفكار. فعندما أقنع جون بالعمل على قضية ما لم يكن مهتما بها في الأصل، تتطور الفكرة بلا شك لأنني أجدني مضطرة إلى التفكير في كيفية تفادي انتقاداته. وقد تنخرط في مناقشات حادة حتى إنني أظن في بعض الأحيان أنها كانت لتنهي علاقة التعاون البحثي بيننا لو لم نكن متزوجين"!
وقد أقامت إيمي أيضا شراكات أكاديمية بناءة مع طلابها. ويقول ديفيد برونز سميث، أحد طلاب الدكتوراه الذين تشرف عليهم، إنه عندما تحول إلى دراسة علم الاقتصاد تاركا علوم الحاسوب، حددت إيمي موعدا للاجتماع به على الفور لتبادل الأفكار وتحديد مصادر التمويل رغم افتقاره إلى الخبرة السابقة في الاقتصاد. وأهم ما لفت نظره هو أن "إيمي، نظرا إلى تركيزها الدقيق على المعاني الاقتصادية الجوهرية لا تبدو متزمتة مطلقا في اختيار إطار منهجي معين ـ إلا في حدود ما تمثله مختلف المنهجيات من مفاهيم عالمية ـ وهو أمر مثالي بالنسبة لي حيث تجمع أفكاري بين علوم الحاسوب وعلوم الاقتصاد".
واعتادت إيمي طلب الإرشاد والتوجيه. وقالت إنها عندما كانت طالبة وأثناء جلوسها على أريكة داخل مكتب بو أونوريه في برينستون، ظلت تتأمل في لافتة تحمل عبارة تقول، "تحقق من صحة الافتراضات". وتكرر الموقف، ورأت إيمي اللافتة مرة أخرى بعد مضي 20 عاما تقريبا عندما أجرت مقابلة مع جيم باول الأستاذ في جامعة كاليفورنيا ببيركلي. وتقول إيمي، ذكر لي جيم أن اللافتة لم تكن تعبر عن منظور علمي في الأصل، لكنها مستمدة من ثقافة الهيبز المضادة في بيركلي. لكنني ما زلت أرى أنها نصيحة رائعة".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي