الاقتصاد العالمي 2023 .. كيف سيكون؟

مع نهاية هذا العام يبدو أن الخلافات بين الدول أعمق مما كانت عليه في بدايته، لقد بدأ العالم هذا العام كأنما هو متحد أمام قضايا عدة، من أهمها التغيرات المناخية والطاقة المتجددة، ومعالجة التحديات التي واجهت سلاسل الإمداد بعد سلسلة الإغلاقات في مواجهة فيروس كورونا، لقد كان العالم متحدا بطريقة جعلت تقارير صندوق النقد الدولي والبنك الدولي متفائلة بشأن النمو في 2022، خاصة بعد انتعاش قوي للنمو الاقتصادي بنسبة 5.5 في المائة في 2021، فكان من المؤمل أن يستمر النمو العالمي ولو بتباطؤ ملحوظ في 2022 حيث قدر عند مستويات أعلى من 4 في المائة وكان القلق يتركز في آليات مواجهة الموجات المتواصلة لجائحة فيروس كورونا، واحتمالية تقليص تدابير الدعم المالي في ظل استمرار اختناقات سلاسل الإمداد.

لكن مع نهاية هذا العام تبدو الصورة مختلفة تماما، فشبح الركود واضح للعيان حيث يشير تقرير صدر أخيرا ونشرته "الاقتصادية" إلى أنه لا فرصة مؤكدة لخروج الاقتصاد العالمي من أزمته الراهنة، مع استمرار التضخم المرتفع وتشديد السياسات النقدية وتداعيات الأزمة في أوكرانيا، وهو ما دفع صندوق النقد الدولي إلى خفض توقعاته لمعدل نمو الاقتصاد العالمي في العام إلى 2.7 في المائة بعد أن سبق وخفضه بنحو 3.2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي خلال العام الحالي، كما تشير الأرقام التي نشرتها "الاقتصادية" إلى أن الاقتصاد العالمي سيسجل خلال العام المقبل أقل معدل نمو له منذ 20 عاما باستثناء فترة الأزمة المالية العالمية 2009 وذروة جائحة فيروس كورونا المستجد 2020، فما الذي حدث خلال هذا العام لتنقلب الأحوال بهذا الشكل؟
لعل أهم ظاهرة تعم العالم اليوم هي الاندفاع نحو المصالح الاقتصادية الخاصة للدول دون النظر إلى التأثيرات العالمية، بل دون الاكتراث بها في أفضل تعبير، فقد فاجأت الولايات المتحدة العالم برفع أسعار الفائدة على النحو المتسارع مع تشديد السياسات النقدية بشكل حاد ومتزامن، وإذا كان المبرر هو معدل التضخم الذي وصل إلى أعلى مستوياته منذ 40 عاما، حيث تجاوز 8 في المائة، فإن رفع سعر الفائدة إلى 5 في المائة جاء بشكل أسرع بكثير مما ينبغي، ومن المحتمل أن تستمر الولايات المتحدة في هذا الاتجاه خلال العام المقبل، وفقا للتقارير.

وبينما يأمل صناع القرار في الولايات المتحدة تحقيق "هبوط" سلس للاقتصاد يضمن خفض معدل التضخم دون الإضرار بنمو الاقتصاد، فإن هناك قلقا واضحا في الأسواق العالمية كافة من التورط في فخ الركود، وعلى الجانب الآخر من هذه المعادلة يقف كثير من الدول النامية في مواجهة أزمة لم تكن في الحسبان، مع تداعيات ارتفاع أسعار الفائدة وزيادة قيمة الدولار الأمريكي ما يجعلها غير قادرة على سداد ديونها بالعملات الأجنبية سواء هذا العام أو العام المقبل، فتشديد السياسة النقدية الأمريكية تسبب في خروج واسع النطاق للأموال الأجنبية متجهة صوب الولايات المتحدة، وبالتالي تراجعت كميات السيولة النقدية التي كان يمكن استثمارها في أدوات الدين للدول النامية، ورغم أن الدول النامية تحتاج إلى استثمارات البنية التحتية، فإن 60 في المائة من الدول ذات الدخل المنخفض تعاني بالفعل أزمة ديون شديدة، وستجد صعوبة في استكمال مشاريع البنية التحتية وهو ما سيكون له أثر سلبي في النمو هناك.
وإذا كان الاقتصاد العالمي قد وجد بعض الدعم من جانب الصين في ظروف اقتصادية مماثلة فإنه في هذا العام خسر جزءا كبيرا من هذا الدعم نظرا إلى أن الصين تعمل منفردة في مواجهة انتشار جائحة كورونا وفق سياسة "صفر إصابات " وهي السياسة التي عاناها العالم في 2020 وتضمنت قيودا وإجراءات مشددة للحد من انتشار العدوى، لذلك جاءت الآثار الاقتصادية حادة على الصين وعلى الاقتصاد العالمي الذي فقد جزءا كبيرا من زخمه بسبب هذه السياسة المنفردة، ومن المحتمل أن تشهد الصين تحسنا في الاقتصاد مع التخلي عن هذه السياسة الصفرية لحالات الإصابة، لكن يأتي هذا متأخرا في وقت يجد الاقتصاد العالمي نفسه في وضع معقد بسبب السياسة الأمريكية ونفاد النقد الأجنبي ما يعني أن الصادرات الصينية قد لا تجد من يشتريها نظرا إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي بشكل عام، وإذا أضفنا إلى هذا ما تقوم به إدارة الرئيس الأمريكي من توسيع قيود تصدير التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين وحرمان الصين من الوصول إلى أحدث تقنيات أشباه الموصلات والمعدات اللازمة لإنتاجها، فإن الاقتصاد الصيني في ظل هذا الصراع قد يفقد قدرته على دعم الاقتصاد العالمي، ولكن قد تسهم الصين في تحسين الأرقام العالمية من خلال دعمها اقتصادها المحلي بإطلاق حزمة إجراءات تحفيز جديدة إذا أرادت نموا اقتصاديا بأكثر من 5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وفقا لما وصفه تقرير الاقتصاد المشار إليه، لكن هذا يعني تحسنا في الأرقام دون أثر واضح في نمو متوازن بين الدول، وهو ما ستصعب معالجته لاحقا.
ومع استمرار الحرب الروسية - الأوكرانية وما استتبع ذلك من مواقف معادية من قبل دول الاتحاد الأوروبي مع تحديد سعر سقف بيع النفط الروسي عند 60 دولارا، ومع التأثيرات المحتملة لهذه السياسة في الاقتصاد العالمي، فإن تمويل جهود مكافحة التغير المناخي في العالم قد تتأثر تبعا لكل هذا، وستكون الآليات الخاصة بصندوق الخسائر والأضرار الذي تم الإعلان عنه خلال قمة المناخ العالمية "كوب 27" في مدينة شرم الشيخ المصرية في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، موضع أسئلة ستجيب عنها الأشهر الأولى من العام المقبل.

لهذا كله يبدو أن العالم الذي بدأ 2022 متحدا أمام أزماته قد انتهى به العام وهو مختلف ومتصارع ومتحيز نحو مصالح ذاتية قد لا تقود إلى حل قريب للأزمات العالمية الكبرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي