متغيرات الفائدة واتجاهات النمو
يبدو واضحا أن ما قاله قبل أيام جيروم باول، رئيس المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي "البنك المركزي"، بتخفيف زخم رفع الفائدة أتى من حقيقة تبدلات طفيفة لكنها مؤثرة في صعيد مستويات التضخم في الولايات المتحدة، التي هدأت في الفترة الماضية. فالفائدة لا تزال وستبقى السلاح الأهم للوقوف في وجه الموجة التضخمية التي نالت من البلاد كما نالت من بقية الدول. وإقدام "الفيدرالي" على رفع الفائدة 0.5 في المائة، يتطابق مع توقعات المشرعين الأمريكيين أن تخفيف مستوى الزيادة يمكن أن يخفف الضغوط على النمو الاقتصادي، الذي بات بعيدا عن الساحة منذ أشهر عديدة. فالولايات المتحدة تشهد تباطؤا تاريخيا في أدائها الاقتصادي، وتقترب من الركود في أي وقت. إلا أن المؤشرات الإيجابية الأخيرة، وقت هذا الركود، كانت على مسافة أبعد قليلا من الميدان العام.
على السوق الأمريكية والعالمية ألا تتوقع خفضا للفائدة في الأشهر المقبلة، حتى إن تفادت الولايات المتحدة الركود. فالأولوية لا تزال هي نفسها متمثلة في كبح جماح التضخم، ليس لخفضه إلى المستوى الرسمي المعلن عند 2 في المائة، لأن ذلك يستحيل إتمامه الآن، لكن للسيطرة عليه في العام المقبل، ولأن الأمر كذلك، فالفائدة التي بلغت مع الزيادة الأخيرة حدود 4.5 في المائة، ستصل لاحقا إلى 5 في المائة، وربما أكثر فيما لو عادت المؤشرات الاقتصادية إلى نطاق السلبية في المرحلة المقبلة، حتى مع تحسن أداء التشغيل على المستوى الوطني. فحتى اليوم لا تزال هذه الفائدة الأعلى منذ 2007 العام الذي سبق الأزمة الاقتصادية العالمية، وقبل أن يلجأ المشرعون إليها كانت في نطاق الصفر تقريبا، ما زاد من الحراك الاقتصادي وعزز النمو بصرف النظر عن مستوياته. والحق أن الفائدة الصفرية سادت الاقتصادات المتقدمة أعواما قبل جائحة كورونا، والأزمة الاقتصادية الحالية.
ورغم أن المشرعين يتحدثون عن تضخم يصل إلى 3.1 في المائة في العام المقبل، إلا أن المسار العام لا يضمن هذه النسبة، علما أنه الأدنى قياسا بالاقتصادات المتقدمة الأخرى. فقد سجل أخيرا 7.1 في المائة، في حين اقترب في بلد كبريطانيا من 11 في المائة. لكن مع تخفيف وتيرة رفع الفائدة، يمكن أن تصل نسبة النمو في الولايات المتحدة بين 0.5 و1.2 في المائة. وبصرف النظر عن المستوى المتدني هذا، فإن ذلك سيعزز حقيقة أن الاقتصاد الأمريكي ابتعد عن الركود. وهذه النقطة التي تهم المشرعين كما الإدارة الأمريكية في آن معا، التي أصيبت بنكسة في الانتخابات النصفية الأخيرة. الأهم أن الانكماش لن يحدث في حين أنه يهدد كل الاقتصادات الغربية دون استثناء عام 2023. ولا شك أن تراجع أسعار المستهلكين الشهر الماضي، أسهم في تحسين الوضع الاقتصادي العام، رغم أنه لا توجد ضمانات قوية لاستمرار تراجعه.
كل الأنظار تتركز حاليا حول التوقعات بشأن التضخم. فجانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية انضمت إلى المتفائلين بتراجع تكاليف العيش في العام المقبل، وهذا ما يجعل النمو المأمول أكثر حضورا فيما لو صدقت التوقعات. نعم هناك تباطؤ في النمو بالتأكيد، لكن هناك تحسن على صعيد التضخم. إلا أن أحدا لا يمكن أن يتوقع ازدهارا اقتصاديا قويا في الولايات المتحدة ربما حتى منتصف العقد الحالي. كل ما قد يحدث هو البناء على أي مستوى من النمو، من أجل تكريسه على ساحة أمريكية محلية ستشهد واحدة من أكثر الانتخابات الرئاسية تنافسا، لأنها تستند قبل كل شيء إلى الأوضاع المعيشية للناخب، الذي لم يعد يهمه أي شأن آخر، في ظل ضغوط كبيرة، وآفاق ليست واضحة بما يكفي.