بريطانيا .. كيف سيكون الركود؟
يصعب النظر إلى الأزمة الاقتصادية في بريطانيا على أنها يمكن أن تمر بفترة قصيرة، وأن الاقتصاد سيعود إلى ما كان عليه قبل جائحة كورونا، والموجة التضخمية الهائلة والمتواصلة التي تضرب البلاد.
فجيرمي هانت وزير المالية الذي أتى إلى منصبه منقذا، بعد أسابيع من الفوضى التي تسببت فيها حكومة ليز تراس المستقيلة، كان واضحا وصادقا، حين أكد أن المشهد العام ليس ورديا، والاقتصاد سيمر بمرحلة صعبة بل أزمة أشد قبل أن يشهد انتعاشا.
وحكومة المحافظين الحالية برئاسة ريشي سوناك، اضطرت في محاولات تصحيحها أخطاء الحكومة التي سبقتها، أن تضرب أهم المعايير التي يقوم عليها الحزب الحاكم، وهي خفض الضرائب.
فالوضع سيئ لدرجة أن حزب "خفض الضرائب" صار يوصف بـ"حزب الضرائب"، والسبب أن الحكومة لا تملك المال للإنفاق حقا، فضلا عن الديون العامة التي تجاوزت حجم ناتجها المحلي الإجمالي.
الاقتصاد البريطاني يمضي نحو ركود حقيقي يعترف به المسؤولون في البلاد، والشيء السيئ هنا، أن هذا الركود لن يكون قصيرا، وقد يمتد إلى ما بعد منتصف العقد الحالي. والانتعاش الأخير للناتج المحلي عند 0.5 في المائة، لا يساوي شيئا في الواقع، ولا يمكن البناء عليه، وسط ازدياد الضغوط ومعها ارتفاع حدة الإضرابات العامة في أغلب القطاعات الخدمية بما فيها القطاع الصحي، لفشل المفاوضات التي لا تتوقف بين النقابات والحكومة حول زيادة الأجور بما يتناسب مع مستوى التضخم.
فالمؤسسات تصر على أنها لا تستطيع أن ترفع الأجور بما يتماشى مع نسبة التضخم التي قفزت فوق 11 في المائة، لكن يمكنها أن تزيدها بحدود 3 في المائة كحد أقصى.
وهذا الوقت ليس أمام بنك إنجلترا المركزي سوى مواصلة الاعتماد على سلاح رفع الفائدة من أدل السيطرة على التضخم، ما عمق حالة ابتعاد النمو عن الميدان.
اللافت، أن الوضع الاقتصادي البريطاني احتل المكانة الأسوأ من حيث وضعيته الحالية مقارنة ببقية اقتصادات "مجموعة السبع"، رغم أن أوضاع هذه الدول تمر بفترة عصيبة حقا، وربما تطول عما كان متوقعا.
ومن ضمن الأسباب التي عمقت أزمة الاقتصاد البريطاني التداعيات التي لا تنتهي جراء انسحاب البلاد من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، فقد ضغطت بقوة على الساحة، بما في ذلك حدوث نقص كبير في العمالة في القطاعات كلها، بعد أن عادت الأيدي العاملة الأوروبية كلها تقريبا إلى بلادها.
في حين لم تنفع القوانين الطارئة بتخفيف القيود على تأشيرات دخول الأيدي الماهرة إلى بريطانيا، في حل هذا الجانب الذي ينعكس مباشرة بالطبع على النمو ويزيد في الوقت نفسه عمق الركود الآتي في غضون أسابيع على أبعد تقدير.
فالبنك المركزي سيرفع الفائدة للمرة التاسعة على التوالي، وسينهي أي آمال بنمو ولو كان متواضعا في العام المقبل.
هذا الوضع أدى إلى تواصل تراجع إنفاق الأسر بنسبة 3.2 في المائة مقارنة بمستويات ما قبل كورونا، وهو ثالث أسوأ أداء بين 43 دولة.
في حين أن الوضع أفضل في بلد كالولايات المتحدة وكندا، حتى فرنسا التي تراجع فيها الإنفاق بنسبة 0.3 في المائة.
لا شك أن الحكومة البريطانية الحالية تعيش واحدة من أسوأ الفترات التي تمر بها أي حكومة في العالم، لماذا؟ لأنها مضطرة في غضون أقل من عامين للدعوة إلى انتخابات عامة، كل المؤشرات تدل على أن الحزب الحاكم سيواجه هزيمة تاريخية صعبة فيها. والركود الاقتصادي الحتمي سيزيد من قتامة المشهد السياسي والاجتماعي في بلد يحتل المرتبة السادسة كأكبر اقتصاد على مستوى العالم.