Author

العيون شاخصة على حدثين بارزين في المملكة .. لماذا؟

|
أستاذ جامعي ـ السويد

منذ عدة أعوام وأنظار العالم صوب السعودية، ما يحدث في هذا البلد يركز عليه العالم، السعودية ليست صاحبة أكبر احتياطي للنفط في العالم كي تنصب العيون نحوها، هناك أمور أخرى كثيرة تجعل منها محطة وقوف وتأمل لما يمكن أن يكون عليه وضع العالم.
أنا لست في صدد الإطراء، وكذلك لن آخذ مخيلة القارئ الكريم بعيدا.
لنقف سويا على حدثين أو محطتين مهمتين دشنتا البارحة - الأربعاء - ولا تزالان على ألسنة ليس السعوديون والعرب فحسب، بل على مستوى العالم كذلك.
كانت الأسواق العالمية تنتظر بلهفة إقرار مجلس الوزراء الميزانية العامة للدولة، المملكة ومنذ أمد عبرت سقف 1.5 تريليون دولار بالنسبة لقيمة الناتج القومي الإجمالي، وفي المملكة اليوم شركات قيمتها السوقية بعشرات ومئات المليارات من الدولارات، وفي الأقل شركة تريليونية واحدة (قيمتها السوقية تعبر 1.8 تريليون دولار).
والمتوقع من الإيرادات، حسب الميزانية في العام المقبل، أن تتجاوز 299 مليار دولار، وصندوق سيادي مبلغ وديعته أكثر من 600 مليار دولار.
وهذه الأرقام وحدها تضع المملكة في مصاف دول، مثل البرازيل وإسبانيا وهولندا وروسيا.
لندع الأرقام جانبا لأنه قد يقول البعض إن هذا أغلبه إيراد ريعي، رغم أن الريع هنا مستدام لما حبا الله البلد هذا بمصادر طبيعية لا يملكها أي بلد آخر في الدنيا.
العالم كله شاهد وركز ولا يزال على الزيارة التي يقوم بها الرئيس الصيني شي جين للمملكة.
هذه الزيارة ليست عادية ولا تشبه أي زيارة أخرى للمملكة، هذه الزيارة ستدشن عهدا جديدا للعلاقات الدولية، والأهم من ذلك ما ستقدمه من دعم وتعزيز لمكانة المملكة الاقتصادية والجيوسياسية.
ولكن أبعد من ذلك، أن المملكة لم تبخل بمنافع هذه الزيارة التاريخية على نفسها. بل جمعت أشقاءها العرب من الخليج إلى المحيط في تلاق قل نظيره، وفي قبول طوعي بقيادتها للجمع، كي يقفوا سويا ويتباحثوا لا بل أن يحجزوا مقعدا لهم لدى القوى العالمية الصاعدة وهي الصين.
ينبهر المحللون بالحنكة السياسية التي مكنت المملكة من ترتيب هكذا لقاء محوري ومصيري، فيه تضع نفسها ومعها أشقاؤها العرب، في ساحة واحدة مع الصين التي لن يمضي وقت طويل، وإذا بها القوة الأكبر في العالم عسكريا واقتصاديا.
إقرار الميزانية الكبيرة هذه، وزيارة الرئيس الصيني، ونجاح المملكة في جمع شمل الدول العربية لقطف ثمار هذه الزيارة سويا، سيكون له وقع لإحداث تغييرات جوهرية في العلاقات الدولية ووضع المنطقة برمتها.
لن أسرد كثيرا عن أهمية الميزانية السعودية والزيارة التاريخية للرئيس الصيني للمملكة، لأن الحدثين تناولهما الإعلام العربي والدولي بإسهاب شديد.
بيد أن هناك عاملين آخرين ذوي علاقة مباشرة وسيكون لهما من التأثير ما قد يفوق الحدثين معا.
إنها الرؤى والخطط الموضوعة لتحويل الاقتصاد السعودي من ريعي إلى اقتصاد صناعي تكنولوجي خوارزمي، تلعب فيه الصناعة والزراعة والخدمات دورا بارزا، ويكون فيه الاعتماد على صادرات النفط في حدود معقولة.
ولن أسرد قصصا عما يشبه الثورة في الثقافة والفنون والآداب والانفتاح والوسطية في النظرة إلى عالم اليوم الذي تلعب فيه الخوارزمية دورا مفصليا.
ولا بد من ذكر الأهداف التي وضعتها القيادة الشابة للمملكة نصب عينها وهي أن منطقة الخليج العربي والسعودية لبها، - والشاهد زيارة الرئيس الصيني الحالية ـ يجب أن تصبح في أمد قريب وليس بعيدا ما تمثله أوروبا للعالم الآن.
يأمل كثير من الناس أن يطيل الله في عمرهم كي يكونوا شهودا على ذلك.

إنشرها