Author

أزمة القرن .. ظواهر متقلبة

|

ربطت الأمم المتحدة بين تغير المناخ والمياه، وأنهما مرتبطان ارتباطا وثيقا، وأن تغير المناخ هو في الأساس أزمة مياه. ووصف الأمين العام لمنظمة الأرصاد العالمية تغير المناخ بأنه يأتي في شكل ظواهر مائية تشمل موجات جفاف أكثر شدة وفيضانات شديدة وأمطارا موسمية غير منتظمة وذوبان الأنهار الجليدية المتسارع.
وعلى هذا فإن أحداث الطقس المتقلبة تتسبب في الفيضانات التي لا يمكن التنبؤ بها بشكل صحيح، أو تتسبب في تلوث المياه بما يهدد النبات والحيوان والإنسان في نهاية السلسلة، وهي في سلوكها المدمر هذا تؤثر في كل شيء تقريبا وتتسبب في دمار البنى التحية للمدن وإتلاف المزارع والمحاصيل. وندرة المياه التي تظهر على شكل جفاف بدورها تؤدي إلى زعزعة استقرار المجتمعات وزيادة الهجرة في عديد من المناطق، وحدوث حرائق تؤدي إلى تدمير الغطاء النباتي والغطاء الشجري مع زيادة التصحر وتآكل التربة كلما تراجع منسوب المياه الجوفية.
ولم تعد هناك اليوم منطقة من العالم في مأمن من هذه الظواهر والتقلبات، فجميع مناطق العالم شهدت ظواهر مناخية مرتبطة بالمياه. وبينما تشير تقارير منظمة الأرصاد العالمية إلى أن 74 في المائة من جميع الكوارث الطبيعية كانت مرتبطة بالمياه بين عامي 2001 و2018، فإن موقع الأمم المتحدة للمياه يتوقع أن يزداد عدد الأشخاص المعرضين لخطر الفيضانات من مستواه الحالي البالغ 1.2 مليار إلى 1.6 مليار بحلول 2050. وفي وقت كان هناك 1.9 مليار شخص، أو 27 في المائة من سكان العالم، يعيشون في مناطق محتملة شحيحة المياه فإن هذا العدد سيرتفع إلى 2.7 إلى 3.2 مليار شخص. وبينما يواجه 3.6 مليار شخص في الوقت الحالي صعوبة في الحصول على مياه كافية في شهر على الأقل من العام، فمن المتوقع أن يزداد هذا العدد إلى أكثر من خمسة مليارات شخص بحلول 2050. وتشير تقارير للبنك الدولي إلى أن ندرة المياه، التي تفاقمت بسبب تغير المناخ، قد تكلف بعض المناطق ما يصل إلى 6 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي، وتحفز الهجرة، وتشعل الصراعات. ووفقا لـ"اليونيسكو"، تمثل الصناعة في الدول ذات الدخل المرتفع 59 في المائة من إجمالي استخدام المياه، ما يدل على أن لندرة المياه آثارا اقتصادية، وتأثيرا في الأعمال التجارية في جميع أنحاء العالم، ما قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف التشغيل عندما يرتفع سعر المياه بشكل كبير، حيث تنكمش الهوامش، أو بسبب تكاليف البقاء في مدن معرضة للفياضات بشكل مستمر.
هكذا يعيش الإنسان اليوم بين جفاف وفيضان، تسببهما المياه إما بندرتها أو بزيادة معدلاتها، وتؤكد الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها ارتباط هذه الظواهر المتناقضة بظاهرة واحدة تتمثل في تغيرات في المناخ بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
وهذه التقلبات المتعاقبة تؤثر في اقتصادات الدول ومعيشة البشر وجميع جوانب حياتهم اليومية، وفي ظل ظروف بيئة اقتصادية كهذه فإن الحلول المتاحة حاليا تتركز في التعاون بين الأمم والمجتمعات من أجل معالجة الآثار السيئة لهذه التقلبات المناخية.
وفي هذا المسار يرى موقع الأمم المتحدة للمياه أن على الدول التعاون عبر الحدود الوطنية لتحقيق التوازن بين الاحتياجات المائية للمجتمعات والصناعة والزراعة والنظم البيئية، كما يجب العمل على حماية المخزون الطبيعي خاصة من أشجار المانجروف الساحلية والأراضي الرطبة التي تمثل حواجز طبيعية فعالة وغير مكلفة للفيضانات والظواهر الجوية الشديدة والتعرية، والمحافظة على النباتات التي تسهم في تنظيم تدفق المياه وربط التربة في السهول الفيضية وضفاف الأنهار والسواحل. كما لا بد من جهود واضحة في مجالات التقاط "حصاد مياه الأمطار"، فمياه الأمطار مفيدة خصوصا في المناطق التي يتفاوت فيها توزيع هطول الأمطار لبناء المرونة في مواجهة الصدمات وضمان الإمدادات لفترات الجفاف وبناء السدود السطحية لإبطاء الجريان، للحد من تآكل التربة وزيادة إعادة تغذية الخزان الجوفي.
وتبذل السعودية جهودا في بناء السدود التي أسهمت بشكل واضح في الحد من تأثير السيول المنقولة، وكذلك ما ستسهم به مبادرات السعودية الخضراء في الحفاظ على التربة وإحداث توازن في درجات الحرارة، كذلك مشاريع الحفاظ على غابات المانجروف الساحلية سواء في البحر الأحمر أو ساحل الخليج العربي، ومن ذلك ما أعلنه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء قبل عدة أيام حول التوجه التنموي لجزيرة تاروت ودارين، وما شمله ذلك من اهتمام واسع بهذه الغابات، حيث يمكن لتربة المانجروف عزل ما يصل إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف الكربون عن التربة الأرضية، وحماية وتوسيع هذه الأنواع من البيئات ذات التأثير الكبير في تغير المناخ.
وهكذا لا بد أن يسهم الإنسان بجهود مثمرة في مواجهة هذه التقلبات، مع ابتكار حلول مستدامة للمياه، ومن ذلك التخطيط الأفضل لتخصيص الموارد المائية، واعتماد حوافز لزيادة كفاءة المياه، وكذلك الاستثمارات في نماذج ومبادرات الزراعة الذكية مناخيا، وتقنيات الري بالتنقيط، والحد من هدر الطعام، وتحويل النفايات إلى مصدر للمغذيات أو الوقود الحيوي / الغاز الحيوي، ومن الحلول كذلك معالجة مياه الصرف الصحي للأغراض الصناعية ومجهودات البلدية، وحسن استغلال المياه الجوفية، والحد من الاستخدام الجائر أو تلويثها. هذه الجهود الكبيرة لن تسهم فقط في الحد من آثار التقلبات المناخية في المياه، بل إنها في جوهرها تصرفات اقتصادية تسهم في إيجاد الوظائف، وتسهم في دعم الابتكار والإنتاج الصناعي الموجه نحو هذه القضايا.

إنشرها