Author

لماذا يشهد النشاط العقاري ركودا؟ وماذا بعده؟ «2 من 2»

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
خلال الفترة الراهنة التي تشهد السوق المحلية ركودا هو الأول لها منذ 2017 - 2018، وهي تلك الفترة التي شهدت انخفاضا في مبيعات القطاع السكني بنسبة تجاوزت 14.2 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها التي سبقتها، يتعمق الركود هذه المرة بنسبة أكبر تجاوزت 21.3 في المائة حتى أحدث بيانات أظهرتها وزارة العدل أخيرا، وكما هو معلوم فقد تخلل تلك الفترتين صعود قياسي لمبيعات القطاع السكني وصلت نسبته إلى أعلى من 41.0 في المائة، مدفوعة بتسهيلات الإقراض العقاري والدعم الحكومي السخي للأفراد، وزاد من زخمه اقترانه بتدني معدلات الفائدة البنكية، انعكست تلك المتغيرات في مجملها على أسعار الأراضي والعقارات عموما بارتفاعات قياسية وغير مسبوقة خلال أربعة عقود زمنية سبقتها، وصلت مع منتصف العام الجاري عند أعلى مستوياتها التاريخية، لتصطدم مع تقلص القدرة الشرائية للأفراد مقارنة بتلك المستويات السعرية المرتفعة جدا، ومع الارتفاع المطرد لمعدل الفائدة البنكية، إلى أن وصلت إلى المرحلة الراهنة المائلة كثيرا إلى ركود النشاط، وترقب ما ستسفر عنه المرحلة المقبلة في حال استمر الركود العقاري في ظل المتغيرات الراهنة، إضافة إلى ما سيستجد من متغيرات مرتبطة بتوسيع نطاق تنفيذ نظام رسوم الأراضي البيضاء في أغلب المدن، واستكمال تنفيذ المرحلة الثانية من النظام "تشمل الأراضي المطورة" في المدن الرئيسة "الرياض، جدة، مكة المكرمة، الدمام".
تتمثل الضغوط الراهنة والمحتملة مستقبلا على نشاط السوق في كل من، (1) استمرار الارتفاع الراهن في معدلات فائدة الإقراض البنكي، الذي تأتي أهميته وقوة تأثيره من الارتفاع الكبير لاعتماد أغلبية المستهلكين على التمويل العقاري لأجل شراء المساكن، وأن كل ارتفاع في تكلفة الاقتراض من شأنه بالتأكيد أن يقلص من حجم السيولة التي سيحصل عليها المشتري أثناء تنفيذ عملية الشراء، التي ستؤثر بدورها في سعر المسكن المحدد من قبل البائع. ولا يقف تأثيرها عند المستهلك، بل يمتد أيضا إلى المطورين العقاريين، الذين يشكلون الحلقة الأهم في النشاط العقاري، ولدورهم في تحويل الأراضي إلى منتجات عقارية متنوعة، وزيادة اعتمادهم على التسهيلات البنكية سواء لأجل شراء الأراضي، أو لأجل تطوير وإنشاء الوحدات السكنية، حيث سجل النمو في حجم اقتراضهم العقاري لأجل تلك المستهدفات منذ مطلع 2019 حتى نهاية الربع الثالث من العام الجاري نحو 43.3 في المائة "143.3 مليار ريال"، ومؤدى كل تلك المتغيرات أن التغيرات في معدل الفائدة صعودا أو هبوطا، أصبحت تحتل موقعا أكثر تأثيرا مما سبق خلال العقود الزمنية الماضية، وتلعب دورا مؤثرا في تحديد حجم تدفقات السيولة الداخلة على السوق العقارية، ومن ثم التأثير في مستويات الأسعار السوقية للأراضي والمنتجات العقارية المختلفة، سواء على مستوى المطورين العقاريين أو على مستوى المستهلكين، وهو بالتأكيد ما يختلف تماما بالمشهد العقاري المحلي عما كان عليه الحال طوال عقود زمنية مضت، قبل أن يتغلغل التمويل البنكي في النشاط العقاري كما وصل إليه خلال الفترة الراهنة، والمتوقع أيضا أن يستمر تغلغله بنسب أكبر مستقبلا، كجزء من تطور السوق العقارية المحلية، شأنه في ذلك شأن عموم الأسواق العقارية عالميا الأكثر تطورا، بزيادة اعتمادها على التمويل البنكي لأجل زيادة التطوير والإنشاء والانتفاع.
(2) زيادة ضخ المنتجات العقارية متنوعة الأغراض، وفي القطاع السكني خصوصا، فوفقا لمعدلات النمو السنوية لضخ المساكن الجديدة قبل 2020، يقدر أن يصل عدد الوحدات السكنية الجديدة على أقل تقدير حتى نهاية 2025 إلى أعلى من 2.1 مليون وحدة سكنية جديدة، وقد تتجاوز أعدادها تلك التقديرات قياسا على الآثار المحتملة لتوسع تنفيذ نظام الرسوم على الأراضي البيضاء في أغلب مدن المملكة، وتحفيز ملاك تلك الأراضي نحو تطويرها أو الدخول في شراكات مع المطورين العقاريين "محليين، خارجيين"، أو حتى التخارج من ملكيتها مقابل ارتفاع تكلفة تملكها، ومقابل تضاؤل فرص نمو أسعارها مقارنة بما كانت عليه الأوضاع الاقتصادية والعقارية سابقا خلال العقود الماضية، وهو ما عملت الإصلاحات الهيكلية ولا تزال تعمل على الحد من أشكاله كجزء من التشوهات الاقتصادية "اكتناز الأراضي دون تطوير أو استخدام".
ستحمل زيادة نشاطات التطوير العقاري خلال الفترة 2023 - 2025 على رفع المعدلات الشهرية لضخ المنتجات السكنية من متوسط 30.0 ألف وحدة سكنية شهريا "2021"، إلى أن تصل بها على أقل تقدير إلى 47.6 ألف وحدة سكنية شهريا "2025"، لمواجهة النمو السكاني والطلب المتنامي على الإسكان، وهذا مما سيدفع - بمشيئة الله تعالى - إلى تحقق مزيد من الاستقرار في الأسعار، ووصولها إلى مستويات تمكن المستهلك من تملك مسكنه الأول دون أعباء إضافية أو فوق قدرته من حيث الدخل والائتمان العقاري، وفي الوقت ذاته سيسهم في زيادة النشاط الاقتصادي بصورة عامة، ويسهم أيضا في ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي عموما، وفي ارتفاع حجم الوظائف في سوق العمل، وفي زيادة تنوع قاعدة الإنتاج المحلية، وهي الاعتبارات أو المكاسب التي لم يكن في الحسبان تحقيقها في ظل استمرار أشكال اكتناز أو احتكار الأراضي، خاصة داخل المدن والمحافظات الرئيسة، الذي كان من آثاره السلبية ارتفاع الأسعار دون وجود مبررات مقبولة، وفي زيادة تعقيد مشكلة تملك المساكن بالنسبة إلى الأفراد، عدا ما شكله ذلك من زيادة في التحديات والتكاليف والمخاطر على كاهل نشاط التطوير العقاري محليا.
إنها النتائج المأمول لمسها على أرض الواقع - بمشيئة الله تعالى - خلال الأعوام القليلة المقبلة، التي ستصب إيجابيا على الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء، وسيسهم تحققها في اكتساب مزيد من النمو الاقتصادي المستدام وتقليص درجات المخاطرة والتكاليف.
إنشرها