Author

المؤشرات الإيجابية للأداء الاقتصادي حتى الربع الثالث 2022

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
تمكن الاقتصاد الوطني من تحقيق أفضل مؤشرات الأداء الاقتصادي والمالي حتى نهاية الربع الثالث من العام الجاري، وسط أجواء اقتصادية عالمية غير مواتية، وتوقعات مرتفعة الاحتمالات بدخول الاقتصاد العالمي في ركود تضخمي خلال العام المقبل، على أثر السياسات المتشددة للبنوك المركزية لمواجهة معدلات التضخم المرتفعة، وتزامنها مع عديد من الاضطرابات الجيوسياسية في عديد من أنحاء العالم، إضافة إلى تباطؤ وتيرة نمو الاقتصاد الصيني، وتباطؤ الاقتصاد الأمريكي والضعف المستمر لنمو اقتصاد الاتحاد الأوروبي.
أظهر الاقتصاد الوطني نموا جيدا بنهاية الربع الثالث من العام الجاري وصل معدله إلى 8.6 في المائة، مدفوعا بنمو القطاع النفطي 14.2 في المائة، والنمو الجيد للقطاع الخاص بنحو 5.8 في المائة، وهو الأداء الإيجابي للاقتصاد المتكرر للربع السادس على التوالي، وعلى الرغم من ارتفاع معدلات التضخم العالمية إلى مستويات قياسية كانت الأعلى في منظور أكثر من أربعة عقود مضت، فقد تمت المحافظة على معدل التضخم محليا ضمن مستويات منخفضة نسبيا، ولم يتجاوز ارتفاعه سقف 2.9 في المائة بنهاية الربع الثالث من هذا العام، وجاء ضمن أدنى معدلات التضخم المسجلة ضمن مجموعة دول العشرين G20. كما حقق الميزان التجاري للمملكة فائضا بنحو 72.7 مليار ريال بنهاية آب (أغسطس) الماضي، بارتفاع سنوي وصلت نسبته إلى 87 في المائة، مدفوعا بالزيادة المطردة في الصادرات النفطية، ومثل الفائض المتحقق للشهر الـ26 على التوالي.
أما على مستوى المالية العامة، فقد سجل إجمالي الإيرادات نموا سنويا بـ24.0 في المائة للربع التاسع على التوالي، استقرت مع نهاية الربع الثالث من العام الجاري عند مستوى 301.9 مليار ريال "950.2 مليار ريال خلال التسعة أشهر الأولى من 2022"، مدفوعة بارتفاع إنتاج النفط وأسعاره العالمية، التي انعكست على الإيرادات النفطية بارتفاعها سنويا للفترة نفسها بـ54.8 في المائة إلى أكثر من 229 مليار ريال "663.1 مليار ريال خلال التسعة أشهر الأولى من 2022"، مقابل تراجع الإيرادات غير النفطية للفترة نفسها بمعدل سنوي بلغ 23.6 في المائة إلى نحو 72.8 مليار ريال "287.1 مليار ريال خلال التسعة أشهر الأولى من 2022". بينما ارتفع إجمالي النفقات بمعدل سنوي بلغ 21.6 في المائة إلى 287.7 مليار ريال "800.7 مليار ريال خلال التسعة أشهر الأولى من 2022"، مدفوعة بالارتفاع القياسي في النفقات الرأسمالية التي نمت بمعدل سنوي وصل إلى 48.9 في المائة لتستقر مع نهاية الفترة عند مستوى 40.5 مليار ريال "91.3 مليار ريال خلال التسعة أشهر الأولى من 2022"، إضافة إلى النمو السنوي للنفقات الجارية بـ18.0 في المائة إلى 247.3 مليار ريال "709.4 مليار ريال خلال التسعة أشهر الأولى من 2022"، وأسفرت تلك التطورات المالية عن تحقيق الميزانية العامة للدولة فائضا ماليا تجاوز 14.1 مليار ريال "تجاوز 149.5 مليار ريال خلال التسعة أشهر الأولى من 2022"، متوجة تلك المؤشرات المالية الإيجابية ثمار الإصلاحات المالية التي انعكست إيجابيا على الاقتصاد الوطني، ومنحته زخما مهما على مستوى الاستقرار المالي والاقتصادي وسط الأوضاع الاقتصادية غير المواتية التي يشهدها أغلب الاقتصادات والحكومات حول العالم.
أما على مستوى سوق العمل المحلية، فقد أظهرت مؤشراتها حتى منتصف العام الجاري استمرار التراجع في معدل البطالة إلى 9.7 في المائة بين المواطنين "4.7 في المائة للذكور، 19.3 في المائة للإناث"، وتعد المعدلات الأدنى في منظور الـ20 عاما الماضية، ويتوقع مع زخم زيادة معدلات التوطين وتوظيف الموارد البشرية المواطنة أن يستمر التراجع في معدل البطالة إلى نحو 9.3 في المائة بنهاية الربع الثالث وفقا لعديد من التقديرات، وأن يتراجع المعدل إلى ما دون 9.0 في المائة - بمشيئة الله تعالى - مع نهاية العام الجاري، التي جاءت نتيجة للمبادرات والجهود اللافتة التي بذلتها وزارة الموارد البشرية، وبتعاون عديد من الأجهزة الحكومية وبشراكة القطاع الخاص، على مستوى تحقيقها مزيدا من الديناميكية التي تتواءم مع المتغيرات التي تتوقف على النشاط الاقتصادي عموما، وعلى بيئة سوق العمل المحلية تحديدا، والتأكيد على استمرار تلك البرامج والمبادرات الخاضعة للتطوير فترة بعد فترة، وتزامنها مع المتغيرات الاقتصادية وفي سوق العمل، أخذا بعين الاعتبار عديدا من الجوانب ذات العلاقة بضرورة المحافظة على استقرار القطاع الخاص بالدرجة الأولى، والعمل على تحفيزه بالقدر اللازم لتحقيق النمو المستهدف له، خاصة أنه ما زال في طور الخروج المتدرج من الآثار والتداعيات التي خلفتها الجائحة العالمية.
حيث تمحورت التغييرات التي تم إجراؤها على مبادرات وبرامج التوطين حول نمطين رئيسين، تمثل النمط الأول في الاعتماد على نوع الوظائف من حيث التخصصات، واستهدافه لمعالجة البطالة وفقا للتخصصات العملية للعاطلين والعاطلات، واشتمل هذا النمط على 18 قرارا نوعيا. بينما اعتمد النمط الثاني التركيز على الجانب العددي من الوظائف المتوافرة، واتجه هذا النمط نحو الوظائف التي لا يتطلب شغلها بمواطنين ومواطنات من ذوي المؤهلات المحددة، ووصل عدد القرارات المتعلقة بهذا النمط من التوطين إلى عشرة قرارات تفصيلية، استهدفت في مجملها ضمان استيعاب أكبر عدد ممكن من العاطلين والعاطلات من ذوي المؤهلات غير المطلوبة في سوق العمل المحلية.
تعكس المؤشرات الجيدة جدا للأداء الاقتصادي الوطني في مستوياتها الأخيرة بنهاية الربع الثالث من العام الجاري، الجهود الكبيرة التي تم تحقيقها على طريق الإصلاحات الهيكلية العملاقة للاقتصاد الوطني تحت مظلة البرامج والمبادرات لرؤية المملكة 2030، وتشير في الوقت ذاته إلى المتانة التي أصبح يتمتع بها الاقتصاد، واتساع دائرة الفرص الاستثمارية محليا، التي ستسهم - بإذن الله تعالى - في مواصلته النمو الشامل والمستدام، وتمنحه مزيدا من القوة في وجه التوقعات غير المواتية للاقتصاد العالمي.
إنشرها