شهر وأفكار وادخار

شهر أكتوبر الطويل والمليء بالمتناقضات بالنسبة لي شخصيا كآن آخر يوم فيه هو اليوم العالمي للادخار، الادخار تلك الممارسة التي تتمناها الحكومات لمواطنيها، والأمهات والآباء لأولادهم، وهي الكلمة السهلة الممتنعة، تبدو في ظاهرها لامعة ساطعة وسهلة المنال، لكنها في جوهرها ليست سهلة على الجميع، فهناك من لا يجد ما يدخره حتى لو كان أكثر المنفقين عقلانية، وبالمثل هناك من يستطع الادخار بسهولة ولا يفعل.
في ذلك اليوم الذي صادف الإثنين الماضي، تأملت في كلمة الادخار ضمن تأملاتي في الشهر الذي منحني وأخذ مني الأحبة، حاولت إخراجها من سياقها المالي رغم أهميته ورغم أن اليوم اختير خصيصا للحث على ادخار المال، قاربتها مع تجربتي وتجربة أقراني ممن هم في سني، وتفرعت بمعانيها وأهدافها إلى تجميع ثروات أخرى غير المال إن صح التفكير.
نعم يجب عليك حال قدرتك ادخار بعض المال، وهذه القدرة لن تتأتي إلا أول العمر المهني أو العملي عندما لا تكون مسؤولا إلا عن نفسك، وفي أواخر هذا العمر عندما يكون دخلك أعلى -بإذن الله- وأمورك ومسؤولياتك المتبقية واضحة إلى حد ما، وكل هذا بتوفيق الله -عز وجل- فلا تنس أن تدعوه ليعينك وتصفو نواياك وأهدافك لعل حياتك تصفو، وتنتظم مراحلها، ويصغر في عينك ما يجب أن يصغر، ويكبر في وجدانك ما يستحق.
في أواسط العمر العملي يصعب الادخار ويندر، فالمشاريع كثيرة ومفتوحة من زواج ومسكن وتعليم أبناء ورعاية صحية وسفر وتسوق، ولا ينجح في هذه المرحلة إلا من اعتاد، أو من كان من الفئات الأكثر حظا.
ادخر صحتك في كل المراحل، فرغم أن كل شيء بيد المولى سبحانه، إلا أن الأسباب بيدك، وسترى أهمية الانتباه لذلك عندما تحل العقود المتأخرة، الخامس والسادس والسابع من عمرك، لا تكن شرها في استهلاك ما تشتهي أيا كان حتى تستمر في استهلاكه أطول فترة ممكنة.
ادخر مزاجك أو في مزاجك، لا تستنزف كل ما يبهجك مبكرا، فهناك بهجات تستمر طول العمر، وهناك بهجات لا تأتي إلا مع التقدم فيه، وهناك أشياء يجب ألا تمل منها حتى آخر يوم في عمرك.
ادخر علاقة أو صداقة، وقائمة بأشياء عظيمة وأخرى بسيطة ستتوالى عليك لعيشها أو تنفيذها، اجعل "حصالتك" الروحية والذهنية والنفسية أهم من حصالتك الخزفية أو المعدنية التي باتت اليوم رقمية في مصرفك.
أكتوبر شهر و"أفكار" وادخار، فلتعرف ما ادخرت، وماذا خسرت وربحت.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي