سوق السندات .. تحركات تكتيكية

يبدو أن هناك توجهات من بعض الحكومات لإعادة شراء ما تم إصداره من سندات، أو في بعض الحالات القيام باستدعاء السندات المطروحة سابقا، وذلك من باب تحسين إدارة الديون الحكومية، وفق ما يستجد من تطورات في أسواق الدين. وبحسب وكالات الأنباء، فإن تقارير من سوق لندن المالية تشير إلى أن وزارة المالية السعودية قدمت عروضا لشراء السندات السعودية المقومة بالدولار من ملاكها الحاليين. كذلك تواردت أخبار من الولايات المتحدة عن توجه وزارة الخزانة الأمريكية نحو شراء مجموعة من السندات وأذونات الخزينة، إلى جانب أن بنك إنجلترا قام بتنفيذ عمليات شراء ضخمة الأسبوع الماضي لفئات متنوعة من السندات البريطانية.
ما الذي يدفع هذه الحكومات إلى إعادة شراء سنداتها على الرغم من أن الفوائد الدورية على تلك السندات منخفضة جدا كون تم إصدارها في أوقات كانت فيها معدلات الفائدة العالمية متدنية جدا؟
تختلف الأسباب من دولة لأخرى حسب ظروف كل دولة، فبالنسبة إلى الولايات المتحدة يعود السبب الرئيس إلى حاجة وزارة الخزانة الأمريكية إلى إعادة توازن منحنى عائد الاستحقاق للسندات الحكومية، وهو جدول معدلات الفائدة على فترات زمنية تتدرج من بضعة أشهر إلى 30 عاما. الشكل الطبيعي لهذا المنحنى هو أن تكون معدلات الفائدة على المدى القصير أقل من مثيلاتها على المدى المتوسط، التي بدورها تكون أقل من معدلات الفائدة على المدى الطويل. معدلات الفائدة هذه حاليا ليست متوازنة، فنجدها على المدى القصير في حدود 3.5 في المائة، وعلى المدى المتوسط تصل إلى 4.5 في المائة، وتنخفض إلى حدود 4 في المائة على المدى الطويل.
معدلات الفائدة هذه تتأثر بقوى العرض والطلب في أسواق الدين، حيث يفضل المستثمرون أدوات دين بآجال مختلفة، حسب السياسة الاستثمارية لكل مستثمر، فتحصل مثل هذه الاختلالات، وهي التي تدفع وزارة الخزانة إلى تصحيحها من خلال شراء سندات خاصة بآجال معينة وإصدار سندات جديدة بآجال معينة أخرى، وبالتالي تحاول إعادة رسم منحنى عائد الاستحقاق، الذي تراه مناسبا.
أما دوافع الحكومة البريطانية في شراء السندات فسببها الرئيس أنه حصلت هناك بيوع مكثفة للسندات طويلة الأجل، ما أضر بمصالح صناديق التقاعد الحكومية التي تعتمد ملاءتها على أسعار هذه السندات، التي تستخدمها الصناديق ضمانات للحصول على التمويل من البنوك التجارية. وعندما تنخفض أسعارها بشكل حاد فإنها تفقد قيمتها كضمانات، ما يدفع المؤسسات المقرضة إلى بيعها، وبالتالي مفاقمة الوضع المتأزم لسوق السندات.
يبرر توجه وزارة المالية السعودية لإعادة شراء سنداتها القائمة هو أن أسعار السندات العالمية واجهت هذا العام هبوطا حادا لم يحصل منذ أعوام طويلة، بانخفاضات تصل إلى 15 في المائة منذ بداية 2022. لذا فإن تدني أسعار السندات يدفع الجهات المصدرة إلى إعادة شرائها إما عن طريق مزادات خاصة، أو في بعض الحالات بموجب شروط السندات التي تسمح للمصدر باستدعائها بسعر معين. وفي جميع الأحوال تستفيد الجهة المصدرة للسندات من الشراء نتيجة انخفاض أسعار السندات، ومن ثم إعادة إصدار سندات جديدة، حسب الحاجة وحسب ظروف الأسواق.
متانة الاقتصاد السعودي وثقة المستثمرين به هما السبب في قدرة وزارة المالية على إصدار سندات بمعدلات فائدة تنافسية، تقدر في حال تم طرح سندات جديدة في الوقت الحالي بأن تكون في المتوسط بحدود 150 نقطة أساس أعلى من السندات الحكومية الأمريكية، التي تعد المرجعية العالمية في أسواق الدين. وكذلك قدرة صندوق الاستثمارات العامة على إصدار سندات خضراء بمقدار ثلاثة مليارات دولار الأسبوع الماضي تعد دليلا آخر على متانة الاقتصاد السعودي وثقة المجتمع الدولي بالخطوات، التي تتخذها المملكة نحو السيطرة على التغيرات المناخية وإيجاد بيئة عالمية نظيفة، وهو ما تؤكده رؤية الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الذي أطلق "مبادرة السعودية الخضراء" تأكيدا لدور المملكة الريادي في هذا المجال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي