من طموح إلى عمل

بدعوة رسمية من السعودية في 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، استضافت الرياض أول قمة من نوعها، من أجل بناء حوار إقليمي بشأن المناخ في المنطقة، وأعرب القادة المجتمعون عن تقديرهم لجهود السعودية ومساهمتها في مجال العمل البيئي ومكافحة التغير المناخي، واتفقوا على متابعة التنسيق وعقد القمة بشكل دوري لوضع خطط تنفيذية لتحقيق أهداف مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، وأمس أعلن ولي العهد انطلاق النسخة الثانية من قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، ومنتدى مبادرة السعودية الخضراء في نوفمبر 2022.
وقد أشرنا في أكثر من كلمة سابقة إلى أن الأمير محمد بن سلمان يعمل وفق فكر اقتصادي شامل، يسعى إلى الاهتمام بتنمية جميع أنواع رأس المال، سواء الاجتماعي أو البشري أو المادي والطبيعي، إذ لا يمكن تحقيق تنمية شاملة ونهضة اقتصادية دون رصيد كاف ومتكامل من هذه الأنواع مجتمعة، وهنا تأتي مبادرتا السعودية الخضراء، والشرق الأوسط الأخضر، ضمن هذا الفكر التنموي الذي يهتم برأس المال الطبيعي والمحافظة عليه وتنميته، ورأس المال الطبيعي هو مخزوننا من الأصول الطبيعية التي تشمل التربة والهواء والماء وجميع الكائنات الحية التي تتكامل في نظام بيئي نستمد منه مجموعة واسعة من خدمات تجعل حياتنا جيدة.
ومنذ إطلاق "رؤية 2030" في 2016، رفعت السعودية شعار "جودة الحياة" كأحد أهم محاورها، التي بنت عديدا من الأهداف من بينها حماية البيئة وتقليل الانبعاثات الكربونية، وزيادة استخدام الطاقة النظيفة، ومكافحة تغير المناخ، هذه الأهداف جمعت تحت مظلة مبادرة السعودية الخضراء من أجل توحيد جميع الجهود لمكافحة تغير المناخ، وسيتم تحقيق هذه الأهداف بزراعة عشرة مليارات شجرة في أنحاء المملكة خلال العقود المقبلة، ورفع نسبة المناطق المحمية إلى 30 في المائة من إجمالي مناطق المملكة، إضافة إلى تخفيض الانبعاثات الكربونية بمقدار 278 مليون طن سنويا بحلول 2030، وفي هذا المسار الاستراتيجي الواضح تم إطلاق أكثر من 60 مبادرة خلال العام الماضي، ما حقق تحولا واضحا نحو الطاقة النظيفة والاطلاع بدور رائد عالمي في تطبيق مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون، كما تم تدشين مشروع محطة سكاكا للطاقة الشمسية الكهروضوئية في منطقة الجوف، وهو باكورة مشاريع برنامج خادم الحرمين الشريفين للطاقة المتجددة، وتتكون المحطة من 1.2 مليون لوح شمسي، أقيمت على مساحة ستة كيلومترات مربعة، وهناك اليوم في المملكة أكثر من مائة ألف منزل تعمل بالطاقة النظيفة، وتمت إعادة تأهيل أكثر من ثمانية آلاف مبنى حكومي.
إن هذه المستهدفات الوطنية والنشاط الملحوظ سيسهمان في تحقيق المستهدفات الإقليمية التي دعت إليها المملكة في قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، المتمثلة في تقليل الانبعاثات الكربونية في المنطقة بأكثر من 10 في المائة من الإسهامات العالمية، وزراعة 50 مليار شجرة في المنطقة، وفق برنامج يعد أكبر البرامج لزراعة الأشجار في العالم.
يأتي إعلان رئيس اللجنة العليا لـ"السعودية الخضراء"، النسخة الثانية من قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر ومنتدى مبادرة السعودية الخضراء في نوفمبر المقبل، في شرم الشيخ في مصر، تحت شعار، "من الطموح إلى العمل"، لرسم طريق لتحقيق كل هذه التطلعات الإقليمية في البيئة والمناخ، من خلال التعاون بين جميع القطاعات ودعم الابتكار، كما تأتي النسخة الثانية هذا العام تزامنا مع انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ COP27، وهذا التعاون الإقليمي الكبير يحفز العمل المشترك على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، ويأتي إيمانا من السعودية وشقيقتها مصر بأهمية العمل التشاركي الجماعي لمواجهة التحديات البيئية والمناخية التي تشهدها المنطقة والعالم. ولا شك في أن العالم اليوم يواجه تحديات مناخية ضخمة غير مسبوقة، والمنطقة تواجه على وجه الخصوص قضايا وتحديات تحتاج إلى تفاهم مشترك وواسع، لذا فإن المنتدى يطلع بدور استراتيجي مهم من أجل تبادل الخبرات وتباحث الأفكار بين رؤساء الدول ووزراء الحكومات المعنيين وصناع السياسات في دول المنطقة، بما يسهم في تسريع التحول نحو الاقتصاد الأخضر وبناء مستقبل أكثر استدامة للأجيال القادمة.
كما أن مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ الذي يأتي متزامنا مع قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر ومنتدى مبادرة السعودية الخضراء، يسعى إلى توحيد الجهود للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى أقل من درجتين مئويتين والعمل بجد للمحافظة على هدف 1.5 درجة مئوية، وذلك من خلال تشجيع جميع الأطراف على الوفاء بتعهداتها والتزاماتها نحو تحقيق أهداف اتفاق باريس، وتنفيذ ميثاق جلاسكو لمراجعة المساهمات المحددة وطنيا.
ولا شك في أن مبادرة السعودية الخضراء بما حققته من تقدم وإنجازات تقدم للعالم نموذجا للطموح المرتبط بالعمل المخطط لتنفيذ الالتزامات نحو البيئة والمناخ. ويتوج هذا العمل بمنتدى السعودية الخضراء كنموذج عالمي لمبادرة مناخية ناجحة تخدم قضايا البيئة ومكافحة تغيرات المناخ.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي