قانون لا يحتمله الاقتصاد
يسود القلق الأوساط الأوروبية منذ أشهر، بشأن ما عرف في الولايات المتحدة بـ"قانون التضخم". ويمكن توصيف هذا الأخير بأنه أداة لتشجيع الصناعات المحلية الأمريكية، وتلك التي تعتمد في إنتاجها على مواد وآليات من دول تربطها مع واشنطن اتفاقات تجارية. البعض يرى أن مثل هذا القانون قد يشعل حربا تجارية جديدة، علما بأن الحروب التجارية كانت سائدة قبل انفجار جائحة كورونا، لكن تراجعت وتيرتها، ليس من فرط التفاهمات التجارية العالمية، بل من آثارها الصادمة غير المتوقعة في الاقتصاد العالمي. نشبت هذه الحروب سابقا حتى بين الدول الحليفة ذاتها، وهذا ما وسع نطاق الحمائية على الساحة الدولية. دون أن ننسى أن الإدارة الأمريكية السابقة أسهمت في إشعال هذه الحروب بصورة كبيرة، مستندة إلى شعار "أمريكا أولا".
لعل القلق الأكبر حاليا حيال "قانون التضخم" الأمريكي يأتي من الاتحاد الأوروبي، الجهة التي تعاني أكثر من غيرها شيئين خطرين، الأول، الحرب الدائرة في أوكرانيا، التي لا تبدو أي إشارات على توقفها قريبا، وأزمة الطاقة المتفاقمة، التي بلغت حد أن تظهر إعلانات إرشادية هنا وهناك، تدعو إلى خفض حرارة غسل الملابس لتوفير الطاقة. فالقارة الأوروبية تربطها بالطبع علاقات تاريخية مع الولايات المتحدة، ولا سيما الدول المنضوية تحت لواء الاتحاد الأوروبي. وإدارة الرئيس جو بايدن التي أقرت القانون، ترى أهمية لتمتين العلاقة مع الاتحاد، على عكس سلفه ترمب الذي كان يشجع في الواقع انفراط عقد الاتحاد الأوروبي برمته. حتى إن بايدن يرفض إلى اليوم عقد اتفاق تجاري مع بريطانيا، حتى تحل مشكلة الحدود مع أيرلندا التي ظهرت في أعقاب انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي "بريكست".
لكن يبدو واضحا، أن المصالح الأمريكية تتفوق بالطبع على أي مصلحة أخرى. فالقانون المشار إليه يقدم للأمريكيين ائتمانات ضريبية لشراء السيارات الكهربائية فقط إذا تم تجميعها في أمريكا الشمالية، كما يتطلب شراء معادن وبطاريات مهمة بشكل متزايد من أمريكا الشمالية أو من أي دولة أبرمت معها الولايات المتحدة اتفاقية تجارة تفضيلية. وهذا ما جعل على سبيل المثال، شركات صناعة السيارات الأوروبية تفكر جديا في نقل قسم كبير من عملياتها التصنيعية إلى الولايات المتحدة، للاستفادة من هذا القانون. لكن إذا ما تمت هذه الخطوة، فستضيف أعباء إلى الاقتصاد الأوروبي بشكل عام، لماذا؟ لأن النشاط الصناعي الأوروبي على وجه الخصوص مهدد بالتراجع في الأعوام القليلة المقبلة، تحت تأثير الأزمات التي تمر بها القارة العجوز عموما.
وهذا لا ينطبق على الأوروبيين فحسب، بل يشمل الآسيويين الذي يفكرون عمليا في نقل جزء من صناعتهم، ولا سيما الخاصة بالسيارات الكهربائية إلى البر الأمريكي. علما بأن واشنطن ضربت بقوة الاقتصاد الصيني من خلال هذا القانون، الذي يمنع "الاستعانة بمصادر من الدول عالية المخاطر". وهنا يطرح سؤال، حول إمكانية نشوب حرب تجارية جديدة قد تكون عنيفة؟ لكن من الواضح أن الإدارة الأمريكية الحالية التي قدمت قانونا حمائيا 100 في المائة، ليست من الإدارات التي تفضح مثل هذه الحروب، خصوصا إذا ما أخذنا في الحسبان اهتمامها بتنمية العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، حتى على حساب حليفتها التاريخية بريطانيا. غير أن ذلك، أضاف مزيدا من التوتر إلى الساحة الاقتصادية العالمية، وشجع بصورة مختلفة رفع وتيرة الحمائية في هذه الدولة أو تلك. فالولايات المتحدة تواجه ركودا في غضون الأشهر القليلة المقبلة، وهذا ما دفع إدارة بايدن إلى تبرير قوانين كـ"قانون التضخم".