العابثون بالغذاء

منظر النباتيين المتطرفين في أوروبا وهم يخربون اللحوم أو يسكبون الألبان على الأرض وأمام الملأ، هو منظر غير حضاري ولا إنساني، حيث يقومون أولا بهدر النعمة المحرم في جميع الأديان، ويعتدون على ملكيات خاصة بدعوى حرية التعبير، ويتلفون أموالا لا يمتلكونها. إنهم يمارسون نوعا من التخلف والعودة إلى زمن الغاب.
بالمقياس نفسه لهؤلاء الذين يزعمون التحضر، هل يمكن لصاحب الملحمة أو تلك الألبان المسكوبة أن يتوجه إلى بائع الخضار ويتلف منتجاته؟ هل يمكن لعشاق اللحوم أن يذهبوا إلى حدائق أو مزارع هؤلاء النباتيين المتعصبين ويتلفونها بدعوى أن النبات أيضا كائن حي ويتنفس، ولا يجوز اقتلاعه من جذوره وأرضه ليتم أكله بكل وحشية؟!
أحترم رغبة من يمتنع عن أكل اللحم، فلدي نباتيون في محيطي الشخصي، أحترم تضامنه العاطفي مع الحيوانات، لكن يجب أن يتذكر النباتي المتعصب المخرب أنه لو توقفنا جميعا عن أكل لحوم الماشية والدواجن، لأصبحنا بحاجة إلى إطعامهم معنا من مصدر واحد، هو النباتات والحبوب، فتنقرض النباتات بدورها مع الوقت، أليس هذا ممكنا نظريا؟
الفكرة الأخرى، وربما هي الفكرة الطريفة، أن منع الإنسان من أكل بعض الحيوانات، لن يوقف افتراسها، لأن هناك حيوانات تعيش على أكل حيوانات أخرى، فماذا يريدنا أن نفعل المتعصبون نباتيا؟ هل نقدم البقدونس والخس والجزر للمفترسات الطبيعية؟
لو تفكر من يمكن تسميتهم "النباتيون المؤدلجون" لوجدوا أن ليس هناك أرحم من الخالق - عز وجل - بخلقه، وهو أعلم بسنن الكون ودورات الحياة، وهو من أحل أكل اللحوم لكل البشر وفي كل الديانات السماوية، لكنه حرم التبذير والإسراف والهدر، وكره التخمة والشبع الزائد في مقابل ترك إنسان آخر جائعا، لقد وضع - سبحانه - التوازنات التي أخل بها الإنسان، فاختلت توازنات الطبيعة، والدورات الحياتية.
أكل اللحم جميل ومهم لصحة الإنسان، جميل ومهم إذا توازن وأكله مرتين أو ثلاثا في الأسبوع، وليس مرتين أو ثلاثا يوميا، وبالطبع ما ينتج عنها من لبن أو بيض، وبالطبع أكثر معها النباتات والحبوب والخضراوات والفاكهة.
الأحد الماضي كان يوم الغذاء العالمي، وانفردت جريدتنا «الاقتصادية» بموضوعين مهمين، أدعو الجميع إلى قراءتهما هما، "في يوم الغذاء العالمي.. دعوات متزايدة للحد من أزمة جوع عادت بكامل قوتها"، و"الاحتيال الغذائي.. ظاهرة تهدد مصداقية شركات التصنيع بخسائر 50 مليار دولار سنويا"، وستعرفون أن بعض البشر يعبث بالنعمة، وبعضهم لا يكاد يجدها، وستفهمون لماذا عد المتطرفون أعلاه حمقى إلى حد كبير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي