Author

قرار «أوبك+» يحقق الاستقرار في أسواق النفط

|
الأربعاء الخامس من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، وافقت مجموعة "أوبك+" في الاجتماع الـ45 للجنة المراقبة الوزارية المشتركة الذي عقد في فيينا، على خفض إنتاج النفط اليومي للمجموعة بمقدار مليوني برميل يوميا. ويعد هذا الخفض أكبر خفض في إنتاج النفط للمجموعة منذ بداية جائحة كورونا. الدافع وراء هذا القرار على الأرجح هو أن "أوبك+" تسعى إلى تحقيق التوازن والاستقرار في أسواق النفط عن طريق خفض العرض، في ظل توقعات بتراجع كبير في الطلب على النفط نتيجة ضعف أداء الاقتصاد العالمي وسط استمرار ارتفاع معدلات التضخم.
في هذا الجانب، أعاد الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة، في مؤتمر صحافي بعد الاجتماع، التأكيد على هدف ورسالة منظمة "أوبك"، التي تستهدف استقرار السوق لدفع الاقتصاد العالمي، وسط توقعات بركود اقتصادي عالمي ناتج من تداعيات جيوسياسية لا تمت بأساسيات أسواق النفط بصلة. وقال، "ما نقوم به ضروري لكل الدول المصدرة للنفط حتى الدول التي خارج منظمة (أوبك+).. سنواصل الإيفاء بالتزاماتنا تجاه الأسواق"، موضحا أن "أوبك+" تجاوزت الأحداث الكارثية في العالم.
حجم الخفض، الذي يعادل نحو 2 في المائة من إنتاج النفط اليومي العالمي، كان أكبر بكثير من الرقم المتوقع البالغ مليون برميل في اليوم، لكن نظرا إلى أن عديدا من الدول الأعضاء في "أوبك+" لم يصل إلى مستويات الإنتاج المستهدفة في آب (أغسطس)، فمن المتوقع أن يبلغ الخفض الحقيقي في الإنتاج نحو مليون برميل يوميا. مع ذلك، يعد استعداد المجموعة للتخفيض بهذا القدر في هذه المرحلة مهما - أي قبل شهرين من دخول حظر الاتحاد الأوروبي على النفط الروسي حيز التنفيذ، ما قد يؤدي إلى خفض الجزء الأعظم من واردات النفط الروسية إلى الاتحاد.
على خلفية هذا القرار، رفع بنك جولدمان ساكس توقعاته لسعر خام برنت لـ2022 من 99 دولارا إلى 104 دولارات للبرميل. على أساس ربع سنوي، يرى بنك جولدمان ساكس أن يتم تداول خام برنت عند 110 دولارات هذا الربع، ويرتفع إلى 115 دولارا للبرميل في الربع الأول من 2023. كما رفع مورجان ستانلي توقعاته لسعر خام برنت إلى 100 دولار للربع الأول من 2023. بالفعل، ارتفعت أسعار النفط الخميس الماضي وللأسبوع بعد اتفاق "أوبك+" على خفض أهداف الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميا، وهو أكبر خفض منذ 2020. وهو ما يدعم استقرار السوق من خلال عمل توازن بين العرض والطلب، خاصة أن السوق كانت قد سعرت هذا القرار منذ عدة جلسات. ويأتي الاتفاق قبل فرض الاتحاد الأوروبي حظرا على واردات النفط الروسي الذي من المتوقع أن يقلص الإمدادات، ما قد يزيد من التضخم.
اتهمت "أوبك+" في مناسبات عديدة بالتصرف مثل تكتل، وبأنها تقيد العرض دون داع من أجل الحفاظ على عائدات عالية من صادرات النفط، لكن المجموعة تنفي ذلك. في هذا الجانب، صرح محمد باركيندو الأمين العام السابق لمنظمة "أوبك"، في وقت سابق من هذا العام، بأن المنظمة "ليست لديها سيطرة" على ارتفاع أسعار النفط بعد الأزمة الأوكرانية. ومع ذلك، يظل صحيحا الأهمية النسبية لعائدات النفط في اقتصادات أعضاء "أوبك+".
أحد الأسباب الرئيسة التي دعت المجموعة إلى خفض الإنتاج، التقلبات الكبيرة في أسواق النفط. في آب (أغسطس) الماضي، أشار الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة، إلى التقلبات "الشديدة" كسبب رئيس وراء حاجة "أوبك" إلى التدخل وحماية سلامة سوق النفط. بالفعل، في الأشهر القليلة الماضية، كان هناك تقلب ملحوظ في الأسعار في سوق النفط على الرغم من أن الاتجاه العام كان هبوطيا منذ ذروة الربع الثاني عند 123.58 دولار للبرميل في الثامن من حزيران (يونيو). قبل أسبوعين من القرار، كانت أسعار النفط تتأرجح بين 84 دولارا و90 دولارا للبرميل، والتهديد بانخفاض أسعار النفط أكثر هو السبب الرئيس وراء القرار الذي اتخذته "أوبك+".
السبب الثاني وراء الخفض هو الحاجة إلى تحسين الطاقة الإنتاجبة الاحتياطية لبعض الدول الرئيسة المنتجة للنفط، خاصة المملكة. مع التهديد الذي يلوح في الأفق بفرض سقف أسعار تقوده الولايات المتحدة على صادرات النفط الروسية، من المتوقع أن يصبح العرض أكثر تشددا، وعند هذه النقطة ستزيد المملكة الإنتاج مرة أخرى لتحقيق الاستقرار والتوازن في أسواق النفط. خفض الإنتاج قبل وضع أي حد أقصى لسعر النفط الروسي، يرسل أيضا رسالة مفادها أن المشترين لن يحددوا أسعار النفط، وأن آليات السوق وحدها تحدد الأسعار.
على الرغم من أن قرار "أوبك+" الأخير سيهيمن في البداية على عناوين أسواق النفط، إلا أن جزءا آخر من الصناعة سيخضع للفحص في الأشهر المقبلة وهو قطاع التكرير. كانت معدلات استخدام المصافي قوية بشكل غير عادي هذا العام، من المتوقع أن تظل أعلى من 90 في المائة في الولايات المتحدة في الربع الرابع من 2022 للربع الثالث على التوالي. وعززت الولايات المتحدة بشكل خاص قدراتها التكريرية إلى الحد الأقصى بسبب الضغط على الصناعة من قبل الإدارة الأمريكية، لخفض أسعار زيت الغاز والديزل المحلي مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية. في مناطق أخرى من العالم، تم تشغيل المصافي بمستويات عالية لسببين: يرجع السبب الأول، إلى طاقة التكرير التي فقدت نهائيا بسبب إجبار المصافي على الإغلاق خلال جائحة كورونا، ما يعني أن هناك الآن كمية أقل من إجمالي قدرة تكرير النفط الخام العالمية. السبب الآخر، والأكثر أهمية، هو تضخم هوامش أرباح مصافي التكرير إلى مستويات قياسية هذا العام. وبالفعل، بلغ هامش بيع الديزل للأسبوع (26 /09/ 2022 - 02 /10/ 2022) نحو 54 دولارا للبرميل على ساحل الخليج، مقارنة بنحو 12 دولارا للبرميل قبل عام، وفقا لرفينيتيف Refinitiv. قد يخضع هذا المستوى من التربح داخل صناعة التكرير لفحص دقيق إذا ارتفعت أسعار النفط العالمية أعلى من 100 دولار للبرميل.
إنشرها