العلم والفن .. والتعليم
إحدى معلمات العلوم في المرحلة الابتدائية اختارت التوفيق بين العلم والفن، متجاوزة الحذر التاريخي من محاولات التوفيق بين الفن والعلم التي ظلت حسب كثيرين لا تتجاوز التوفيقية القسرية، وحسب قليلين - وأجدني منهم - هي لا تحتاج إلى المحاولة، إنها تأتي مع القالب الفكري والإنتاجي لكليهما، العالم، والفنان.
العلم والفن يلتقيان كثيرا، يتصارعان أحيانا، ويتصالحان أحيانا أخرى، ويبقيان ضمن جدليات عقل وروح وذائقة الإنسان، وجزء من هويته، لكنهما في أحيان كثيرة لا يصلحان للتوحد معا، أو الاندماج في مسمى واحد، وهذه خواطر جانبية أثارتها قصة المعلمة التي يمكن أن تكون إحدى دلالات التعليم الذي ينادي الجميع بتطويره، وزيرا عقب وزير.
المعلمة طلبت من بعض الطالبات عمل مجسمين، للخليتين الحيوانية والنباتية، باستخدام عجينة السيراميك، وهي لمن لا يعرفها عجينة تباع في المكتبات ويطلبها معلمو ومعلمات التربية الفنية من أجل عمل بعض المجسمات، تأتي بلونين، أبيض وبني، وأعرف أن الطلب انخفض عليها، ومع ذلك ترتفع أسعارها باستمرار ضمن ما يرتفع سعره دون سبب واضح.
أسقط في يد الطالبات، وفي يد الأهالي، فالمطلوب صعب جدا، ذهبوا إلى مراكز خدمة الطالب، تلك المراكز التي تعد - في رأيي الذي ربما أفصله لاحقا في مقال آخر- إحدى آفات التعليم العام والجامعي في بلادنا، بعضهم أجيب بالرفض لعدم استطاعة الفني هناك التنفيذ، وبعضهم رفض التنفيذ لأن المطلوب كان يمثل نسبة مئوية من الرسوم الدراسية لذلك الفصل. حسب ما عرفت، لم تقدم أي طالبة العمل، معظمهن جلبن لوحات مكبرة أو ملونة للخليتين نفذها الشقيق أو الصديق في مركز خدمة الطالب، ومعظمها تم رفضه، فلا الطالبات حصلن على درجة النشاط، ولا المعلمة حصلت على مبتغاها بتعزيز التقارب بين الممارسات العلمية والفنية، وحصل بعض الأشقاء والأصدقاء في تلك المراكز على مال سهل ربما يكون بعض الأهالي قد اكتسبوه بصعوبة.
هذا المبدأ، مبدأ التكليف بأعمال ليست في مقدور الطالب/ة، ثم قبولها مع العلم أن الطالب/ة لم ينفذها، هو مبدأ فاسد، ومفسد، ويجب أن يتلاشى.
فكرة تنفيذ مجسم للخلية الحيوانية وآخر للنباتية بأيدي الطالبات فكرة جيدة، وستكون جيدة جدا لو كانت عملا جماعيا بإشراف المعلمة وبأيدي الطالبات وبروح جماعية، حتى لو لم يخرج بالشكل المطلوب، إنها ستكون ممتازة لو تمت في قاعة الرسم أو حصة الفنون بمشاركة معلمة التربية الفنية، سيكون حدثا لن تنساه الصغيرات، سيمرحن، ويتعلمن، وأزعم أنهن لن ينسين ما حيين الفروقات بين الخليتين.