Author

لماذا إثارة الهلع من التضخم في أمريكا؟ «1 من 2»

|
إن عنوان المقال الذي كتبه الاقتصادي جيسون فيورمان، منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) في مجلة "وال ستريت جورنال"، كان ذكيا وحزينا في الوقت نفسه. لقد كان ذلك ذكيا، لأنه استحضر شعار الرئيس الأمريكي السابق جيرالد فورد، "قاوموا التضخم الآن" من 1974، وحزينا لأن نصيحة فيورمان تأتي مباشرة من تلك الحقبة، ولأن وصفات العلاج لديه قد تعيد الكوارث الاقتصادية والسياسية من تلك الأعوام.
لقد كتب فيورمان الذي عمل سابقا كرئيس لمجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس باراك أوباما، أنه "في نهاية المطاف فإن التضخم هو مشكلة تتعلق بالاقتصاد الكلي"، ما يعني أنه عبارة عن مسألة تؤثر في الاقتصاد ككل، وخلال استكشافه أسباب المشكلة، يكتب فيورمان عن "التعافي السريع" و"الأسواق العمالية الضيقة" والتحفيز المالي المفرط والأموال السهلة جدا، حيث يرى أن الاقتصاد الأمريكي لديه كثير من الإنفاق الذي يضغط على قدرته على الإنتاج. إنه ضخم جدا.
لكن هذا غير صحيح، فطبقا لتقرير الناتج المحلي الإجمالي الأخير، فإن الحجم الحقيقي للاقتصاد الأمريكي ـ المقاس بالدولار المعدل حسب التضخم ـ لا يزال أصغر من حجمه خلال الربع الأخير من 2019، فالأمريكيون ينفقون وينتجون بالقيمة الحقيقية أقل الآن مما كنا نفعله في ذلك الوقت، وعلى الرغم من كل هذا التهويل حول معدلات النمو المرتفعة، وانخفاض أسعار الفائدة، والعجز الكبير، فإن أمريكا لم تعد حتى الآن إلى نقطة البداية، وهذا يعني أن من المستحيل أن يكون معدل التضخم الحالي يتعلق بالاقتصاد الكلي.
يصر فيورمان على أن "وظيفة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أن يبقي التضخم تحت السيطرة"، وهذا أيضا غير صحيح، فالاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يعمل بموجب قانون التوظيف الكامل والنمو المتوازن لـ1978، الذي ينص على أن التوظيف الكامل والأسعار المستقرة بشكل معقول هي أهداف للحكومة الأمريكية ككل.
إن الذين قاموا بصياغة ذلك القانون ـ وكنت أنا واحدا منهم ـ لم يؤمنوا بمبدأ أن التضخم "هو ظاهرة نقدية دائما وفي أي مكان" كما جادل ميلتون فريدمان، بل كنا نؤمن وطبقا لنص القانون أن جميع الأهداف الاقتصادية يجب أن يتم السعي إلى تحقيقها باستخدام جميع الأدوات المتوافرة ومن قبل جميع الوكالات.
والآن، كما كان الوضع بالسابق، فإن النفط هو المشكلة الأكثر وضوحا المتعلقة بالسعر، ففي السابق كان المتهم هو منظمة "أوبك". أما اليوم فإن هناك قوى أخرى أدت إلى ارتفاع أسعار البنزين وزيت الوقود والغاز الطبيعي بـ50 في المائة أو أكثر منذ أدنى مستوى وصلت إليه العام الماضي. إن بعض جوانب تلك الزيادة يعكس التعافي من الأسعار المنخفضة في وقت الجائحة وبعضها نتيجة لقيود التوريد، وذلك بسبب التخفيضات في إنتاج الطاقة الصخرية.
إن المضاربة بالسلع قد تكون أيضا أحد العوامل كما كان عليه الحال قبل الأزمة المالية العالمية لـ2008. إذا كان الأمر كذلك، يمكن تقليص هذا النشاط عن طريق زيادة متطلبات الهامش التي يتمتع الاحتياطي الفيدرالي بسلطة بشأنها. إن بالإمكان تحقيق استقرار بالأسعار من خلال البيع من احتياطي البترول الاستراتيجي، وهو الأمر الذي ربما إدارة بايدن على وشك القيام به بالتعاون مع الصين. سيرتفع الإنتاج قريبا، كما يحدث بالفعل في حوض بيرميان.
إن العامل المشترك الآخر بين التضخم قبل 50 عاما والتضخم الآن هو الإنفاق العسكري. لقد كان الاقتصاديون في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي يدركون أن حرب فيتنام كانت تضخمية، لكن الحروب دائما كذلك، وبطريقة ما تم نسيان هذه الحقيقة بينما ننفق أكثر من 700 مليار دولار سنويا على الأسلحة والدفاع، ما أوجد الاختناقات وحرق الوقود وأثر سلبا في الإنتاج المدني، إضافة إلى تحويل التقنيات الجديدة والأشخاص الموهوبين من الأشياء التي يمكننا استخدامها، إلى أشياء لا يمكننا استخدامها، علما أن كل هذا النشاط هو نشاط تضخمي... يتبع.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكت، 2022.
إنشرها