Author

التعليم الجامعي بالإجراءات

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى

مثل مفهوم الإدارة بالأهداف، يمكننا تطوير التعليم الجامعي بالإجراءات. وبداية، فإن الإدارة بالأهداف تعني في مذهبها الأساس تعزيز مشاركة أصحاب المصلحة في بناء أهداف المنشأة. لقد صاغ بيتر دراكر مصطلح الإدارة بالأهداف، ووضع أهم مبادئه أن يتم وضع الأهداف بمساعدة الموظفين مع التأكيد على التدريب بدلا من الممانعة والسلبية، ومهما كانت الأهداف صعبة، فإن المقياس الحقيقي لها هو أن تكون قابلة للتحقيق. لقد أصبح التخطيط الاستراتيجي الصحيح ينطلق من ورش عمل مكثفة بشكل يسمح بمشاركة الموظفين ومانحي الأموال والموارد مع الجهات الحكومية ذات العلاقة من أجل تصميم أهداف تقابل جميع استخدامات رؤوس الأموال، بدءا من رأس المال المادي مرورا بالبشري حتى البيئي، وبغير هذا الأسلوب من التخطيط ستعود المنشآت إلى بدايات الرأسمالية في القرن الـ18 عندما كانت الأهداف تصاغ من أجل تعظيم الربح فقط، دونما مراعاة باقي الاستحقاقات.
ليست مشكلة الجامعات وتغيراتها السريعة في نظامها، لكن مشكلتها في أمور عدة، أولها في قواعدها التنفيذية التي تتغير بتغير رئيسها أو بتغير وكيل من وكلائها، بل حتى بتغير عميد القبول، وأحيانا بتغير موظف في عمادة القبول، فالقواعد التنفيذية تصدر لتعبر عن الفهم العملي للنظام، وهي تصدر بموافقة مجلس الجامعة عادة، لكن المشكلة أن هذا يجعل بعضا في مجالس الجامعات يظن أن له صلاحيات تشريعية فتأتي القواعد تضيق ما وسعه النظام، تضييقا قد يصبح تغيرا لمفهوم المواد النظامية وتعطيلا لها، وأحيانا تأتي القرارات ذات الآثار الاجتماعية الخطرة بلا دراسات، فالجامعات تعدل كل عام أعداد القبول دون فهم واضح من المجتمع، وتعدل في نسب القبول وفي درجات القياس بلا دراسات عميقة وافية واطلاع المجتمع قبل انعقاد اختبارات القياس، فقط يكفي تقرير من عميد القبول حتى يتم ذلك. وقد شهدت بعض الجامعات هذا العام تعسفا في القبول أسقط حق عديد من أبناء المجتمع في دخول الجامعة لولا تدخل مباشر من الوزارة في حل هذه الإشكالية "كما فهمت". فالجامعات إذا تركت دونما منح الطلاب والمجتمع حق الاعتراض والتظلم ضد قراراتها، فإن الانضباط لن يجد طريقا لقرارات عمدائها.
لذلك، تصاغ في الجامعات لوائح تفسيرية وقواعد تنفيذية ومثلها من المسميات من أجل إغلاق الأبواب، ووصل الحال في بعض الجامعات في فترات سابقة إلى منع الطلاب من حقهم في حذف فصل أو مادة، فضلا عن حقهم في الاعتراض على قرار أستاذ أو درجة أو حتى قرار قسم أو جامعة. ولو أخذنا عينة من الطلاب لنسألهم عن حقهم في الاعتراض على قرار جامعي لجاءت الإجابات شتى، كلها تجمع على أن لا حق لهم، بينما النظام كفل هذا بوضوح. لكن لا يلام الطلاب ولا الأسر في ذلك، وهم يرون سيلا من القرارات تهبط عليهم من الجامعات بتقييد التحويل أو شروط تعجيزية للطالب الزائر أو تغيير نظام الساعات دونما مقدمات، أو توزيع الدرجات، أو تقليص الشعب أو تعديل وقت الاختبار قبل انعقاده بساعات، وكل ذلك يجب أن يتقبله الطلاب بصمت مهما كانت التضحيات. ومن الغريب جدا أن يحدث كل هذا في الجامعات، بينما التعليم العام شديد الانضباط، فلا يتم تغيير حصة حتى دقيقة منها إلا بإعلان عام واضح مع صرامة إدارية. وهذا ما يجعل الطلاب الذين ينتقلون من التعليم العام للجامعات يواجهون أصعب مراحل حياتهم على الإطلاق. إنهم ينتقلون من عالم منضبط تماما إلى عالم لا يعرفون كيف يتعاملون معه. من عالم لا تتغير فيه مادة أو موضوع أو كتاب لفترات إلى عالم تتغير فيه القاعة 30 مرة قبل أن يدرك الطالب اسم المبنى الذي تقع فيه، ويتغير المقرر كلما تغير المحاضر، وقد لا يعرف المحاضر أبدا، ولهذا يفشل طلاب مذهلون حقا، ومتميزون بشكل استثنائي، لكن في عالم منضبط ورتيب، وليس في عالم متقلب سريع الإيقاع متوتر.
من هنا، أقترح وضع محكمة في كل الجامعات، كمثل الجامعات البريطانية، محكمة من قانونيين لهم باع وشأن ولهم استقلال عن الجامعات، ليتمكن الطلاب من التظلم ضد القرارات والقواعد التنفيذية، ضد تغير القاعات بلا سبب، ضد أستاذ يظلم طلابه بلا رادع، محكمة لها صلاحيات الاستدعاء وطلب الأدلة، محكمة تقف الجامعة أمامها متهمة أو مدعية. وفي هذا المقترح، أدعي بأنه يمكن للطلاب تعلم إجراءات التقاضي والتظلم والاعتراض وفهم النصوص، وطلب الحق، بشكل يجعل الجامعات تفكر مرات قبل تغيير قاعدة أو وضع لائحة أو تجاوز، بل يجعلها تشرك الطلاب قبل اتخاذ قرارات تؤثر فيهم. إن هذا كفيل بتعليم أبنائنا كثيرا مما يجب تعلمه في دولة يحكمها الشرع والنظام، هذا ما أقصده بالتعلم بالإجراءات، فالطالب الذي يتعلم الإجراءات يتعلم الانضباط، وإذا تعلم ذلك نجح في الحياة وتمكن من الاندماج في الحياة العملية بسهولة.

إنشرها