وهم التعلق

يقول جبران خليل جبران، "بدأت أستوعب وأفهم الآن، أن سعادتي تكمن في التخلي عن المزيد، لا الحصول على المزيد".
قبل أعوام كنت أعتقد أن هناك أشياء لا يمكن أن أتخلى عنها، وعددتها جزءا من روحي وكياني، حتى لو كانت جمادات، وبعد أول تجربة لي في التخلي، اكتشفت أنها كانت بداية الانعتاق.
بالتخلي المدروس تفتح لنفسك بوابة على عالم آخر حرمت نفسك منه تحت ضغط وهم التعلق، نعم كلما كان تعلقك شديدا زادت معاناتك في التخلي عنه، لكن تذكر دائما مقدار الطاقة التي استنزفها من روحك وعقلك حتى جسدك، بعدها ستشعر أنك كمريض بمرض عضال ميؤوس من برئه شفي!
ما يجعلنا نفتقد قوة التخلي هو خوفنا من المشقة والألم والأعراض الانسحابية للتعلق، الذي هو نوع من الإدمان، وننسى أنه لا مفر منهما لأنهما في الأصل جزء من وجودنا ـ قال تعالى، "لقد خلقنا الإنسان في كبد" ـ ومقاومتهما تشبه مقاومة شروق الشمس أو تغيير فصول العام، المستحيلة الحدوث.
إن مساعينا إلى تجنب التعرض للأذى تثمر عن نتائج عكسية، في الواقع، بل مضرة أحيانا رغم أنها تشعرنا بالأمان، لأن محاولة الحفاظ على صورة معينة لحياتنا تحول دون استمتاعنا بالأشياء التي حولنا أو التي نحاول أن نحميها في المقام الأول، مثل التعلق بالأبناء والخوف على مستقبلهم أو حياتهم ومنعهم من عيش حياة طبيعية، أو تعلق الزوج بزوجة مؤذية والعكس أو الصديق بصديق خائن، خوفا من كلام الناس أو ضياع الأبناء أو الاتهام بعدم الوفاء ولا نعلم أن تمسكنا بهم هو أكبر أذى لنا ولهم.
كذلك تعلقنا بوظيفة معينة طوال أعوام رغم ما نعانيه فيها من أصناف الظلم أو قلة الراتب أو المميزات ونخاف من تركها، فنفقد الأصدقاء والأمان الوظيفي والواقع أننا نفقد أنفسنا.
إن التركيز على تفادي الأمور السيئة يحول دون حدوث الأمور الجيدة، فالشعور بالألم ومعاناة الفقد والحزن من سنن الحياة، وهي المحرك الذي يدفعنا إلى الإبداع وتوليد الأفكار والتواصل مع الآخر لتخفيف المعاناة. والشجاعة في اتخاذ القرار ومعرفة متى سنرحل ونتخلى عن كل ما يؤذينا تمنحنا طاقة تمكننا من التغلب على تلك النتائج بعد وقوعها. عندما تتقبل حقيقة أن الحياة لا تصفو لأحد دائما وتتعلم كيف تتعامل مع هذا الحال بفاعلية.
يعتقد البعض أن التمسك بالأشياء والاستمرار في التعلق بها علامة على القوة ولا يعلم أن القوة تتجلى في التخلي عنها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي